الخصية المعلقة عند الأطفال
أ.د.محمد عبدالباقى فهمى
أستاذ جراحة الأطفال بطب الأزهر
هو مرض ينشأ نتيجة فقدان الخصية لطريقها الصحيح فى النزول إلى مكانها الطبيعى فى الكيس. أى إن الخصية تضل طريقها فى النزول من البطن إلى الكيس وتقف فى إحدى محطات النزول الطبيعى.
ولتوضيح ذلك أكثر يجب أن نعرف أن الخصية فى الشهور الأولى من الحمل تكون موجودة بالبطن فى مكان مجاور للكلية، ثم تبدأ فى النزول ابتداءً من الأسبوع الثامن من الحمل وتصل إلى القناة الأربية فى أعلى الفخذ فى الأسبوع السابع عشر ثم تتحرك فى القناة الأربية حتى تصل إلى أسفل الكيس فى الأسبوع الأربعين وهو الأسبوع الأخير من الحمل.
ونسبة حدوث هذا المرض فى أغلب بلاد العالم تتراوح بين 0٫8 - 1٫5% ولكن الملاحظ هذه الأيام أن هذه النسبة فى ازدياد.
وينبغى أن نذكر هنا أن هناك أمراضاً معينة تزداد فيها نسبة حدوث المرض: -
مثل مرض العيوب الخلقية فى الجهاز العصبى ومرضى عيوب جدار البطن، وكذلك هناك عامل وراثى لا يمكن إغفاله فالطفل الذى يعانى من مرض الخصية المعلقة قد يُصاب إخوته بنفس المرض بنسبة 4% والوالد الذى كان مصاباً بالمرض هناك احتمال بنسبة 6% أن يصاب أولاده بنفس المرض.
ولكن ما هى الأضرار التى تنشأ من هذا المرض؟؟
شاءت إرادة الله أن تكون الخصية - وهى المصنع المختص بتكوين الحيوانات المنوية - فى خارج البطن فى كيس الصفن لأن البيئة المناسبة لتكوين الحيوانات المنوية - (الحيامن وهو اسم مفضل لدىّ لوصف الحيوانات المنوية) يجب أن تكون أقل من درجة حرارة الجسم بدرجة ونصف درجة مئوية. ولذلك فوجود الخصية فى البطن فى درجة حرارة أعلى من الدرجة المطلوبة يؤدى إلى تغيرات فى الخصية يجعلها غير قادرة على تكوين الحيوانات المنوية فيما بعد، أو أن تكون حيوانات منوية مشوهة غير قادرة على تلقيح البويضة، ولذلك فإنه يجب أن تنزل هذه الخصية إلى مكانها الطبيعى بعيداً عن درجة حرارة الجسم قبل سن الثانية.
بل إن هناك دراسة عن أن وجود الخصية فى البطن حتى سن الثالثة يفقدها حوالى نصف كفاءتها فى تكوين الحيوانات المنوية.
ومن المضاعفات الأخرى لمرض الخصية:
• قابلية حدوث التفاف فى الخصية.
• زيادة نسبة حدوث سرطان الخصية بنسبة حوالى 9 مرات عن احتمال حدوثها فى الأشخاص العاديين.
العلاج:
التدخل الجراحى فى سن مبكرة هو العلاج الضرورى لمثل هذه الحالة. وأفضل سن هو سن سنة ونصف إلى سنتين والاتجاه العالمى حالياً أن يتم التدخل قبل سن سنتين. ولكن إجراء الجراحة بعد 4 سنوات يقلل من كفاءة الخصية بنسبة 40% ومع ذلك فيجب إجراء الجراحة حتى وإن كانت السن بعد ذلك لأن نزول الخصية له تأثير إيجابى على عمل الخصية وكذلك على الحالة النفسية للطفل.
يتم حالياً وفى مراكز كثيرة فى مصر استخدام المنظار للكشف عن مكان الخصية المعلقة غير محسوسة بالكشف الظاهرى، ويتم كذلك التعامل معها وإنزالها إلى مكانها بمساعدة المنظار.
** قصة من داخل العيادة
أغلب المرضى الذين يحضرون إلى عيادتى من الأطفال ونادراً ما يأتى إلىّ مريض فى سن الرجولة ومن أعجب الحالات التى قابلتها فى حياتى مريض متزوج منذ سنتين ولمّا لم ترزق زوجته بحمل خلال هذه الفترة قام الزوج بعمل مجموعة هائلة من التحاليل والفحوصات لها، وكل النتائج جاءت طبيعية للزوجة وأخيراً اقتنع الزوج بأن يقوم بعمل فحص لنفسه ولما أفادت النتيجة بأنه لا يوجد عند هذا الزوج أى حيوانات منوية جاءنى ليسألنى النصيحة، وتوقعت بأن يكون هذا الزوج مصاباً بمرض بسيط فى الخصية، كالدوالى مثلاً.
ولكن المفاجأة التى عقدت لسانى وشلت تفكيرى لدقائق مرت كأنها الدهر أن هذا الرجل لا يوجد عنده أى خصية!!! … أى إنه مصاب بمرض الخصية المعلقة ولكن فى الناحيتين.
وأسئلة كثيرة قفزت إلى ذهنى أولها أن هذا الرجل ليس عنده أى فرصة للإنجاب فماذا هو فاعل؟.
ثانياً: كيف مرت عليه كل هذه الفترة دون أن يكتشف مرضه؟
وكيف لم ينتبه إليه أحد من عائلته - خاصة الأم - لتكتشف هذه الحالة مبكراً وتبادر بعلاجه؟
ثم ما مدى إصابة هذا الرجل بمضاعفات الخصية المعلقة التى تظل دون علاج لفترة طويلة؟
لقد وجدت فى عرض هذه القصة التى جرت أحداثها أمامى منذ حوالى خمس سنوات مناسبة لأبين مدى ما يمكن أن يسببه جهل الأم وكذلك المجتمع لرجل فى هذه السن قد فقد أى قدرة على الإنجاب وقد كانت الفرصة متاحة - لو أراد الله - وتم التدخل لتصليح هذا المرض فى سن مبكرة.
حين سألت هذا المريض: ألم تلحظ أن هناك شيئاً غريباً فى الخصية استرعى انتباهك؟
قال لى إنه لاحظ ولكن لم يكن يتوقع أن هذا الوضع سوف يؤثر على قدرته على الإنجاب ثم جرفته الأيام فى تيارها وبين التكاسل والخجل ضاعت فرصته فى أن يُنادى فى الحياة بلفظ «يا بابا»!!!
فى مثل هذه الحالات كنا فى الماضى نقوم باستئصال الخصيتين لأن احتمال إصابتهما بالسرطان احتمال عال يصل إلى تسعة أضعاف احتمال إصابة الشخص العادى.
ولكن مع تطور استخدام الموجات الصوتية فإنه أصبح بالإمكان الكشف على أى ورم يصيب الخصية مهما صغر حجمه، ولذلك فإن الاتجاه حالياً نحو تثبيت الخصية فى الكيس وعدم استئصالها أياً كانت سن المريض.
ونقطة أخرى يجب ذكرها فى هذا الصدد، وهى أن المريض الذى تستأصل خصيته أياً كان الدافع لهذا الاستئصال فإن الوضع النفسى للمريض يكون سيئاً للغاية سواء كان طفلاً أو رجلاً.