رحلة وجيه صبحي باقي في 71 عاما من المنصورة إلى كرسي «مارمرقس»

والدته هيَّأته كنسيا ومرض والده سبب دراسته «الصيدلة»

وجيه صبحى مع الأنبا بيشوى

وجيه صبحى مع الأنبا بيشوى

10:42 م | الجمعة 17 نوفمبر 2023

 واحد وسبعون عاماً رسمت رحلة «وجيه صبحى باقى سليمان»، الذى صار فيما بعد البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، التى أخذت الصبى من المنصورة وطافت به أرجاء المحروسة حتى وصلت به إلى محطة كرسى مارمرقس الرسولى الخاص بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

سبعة عقود انطلق فيها «وجيه» أو البابا تواضروس الثانى، من مسقط رأسه فى المنصورة، حيث نشأ وتكوّن بقلب ينبض بالخدمة والمحبة إلى قلب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليكون البطريرك الـ118 من بطاركة الكنيسة، ليحمل مسئولية الأقباط على عاتقه فى ظل ظروف لم تكن بالهينة.

وبحسب الموقع الرسمى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتصريحات سابقة للبابا تواضروس، فقد ولد باسم «وجيه صبحى باقى سليمان»، فى 4 نوفمبر 1952 بمدينة المنصورة، فى أسرة غرست فيه مخافة الرب وكأنهم يعدونه ليكون رأس الكنيسة المصرية، نظراً لطبيعة عمل والده كمهندس مساحة، الذى كانت تقتضى ظروف عمله التنقل بين المحافظات فتنقلت الأسرة ما بين المنصورة وسوهاج ودمنهور والإسكندرية.

وكانت أسرة «وجيه»، مثلها مثل كل الأسر المصرية القبطية، عالمها هو الكنيسة والخدمة ومحبة الله والكتاب المقدس، وحرصت والدته السيدة «سامية» على غرس الاهتمام فيه بالكنيسة والحياة الروحية منذ الصغر، فعلى الرغم من تنقل الأسرة بين العديد من المحافظات، فإنها كانت حريصة على ربطه بالكنيسة، فيذكر البابا تواضروس أنه عندما كان فى السنة الثالثة أو الرابعة الابتدائية وكانوا غرباء فى دمنهور، ذهبت والدته بطفلها إلى البابا كيرلس لرسامته شـماسـاً، ولكن أخرجه كبير الشمامسة من الطابور بحدة لكونه غريباً، ورجعت الأم باكية إلى المنزل، ولم يشعر الطفل بأهمية الموقف وعندما حضـر الوالد من العمل ووجدها فى هذه الحالة طيب خاطرها وقال لها: «بكرة يرسموه أسقف».

وكان لوالدته الدور الأكبر فى نشأته لأنها تولت مسئولية الأسرة بعد وفاة الوالد يوم 3 يونيو 1967 صباح أول أيام امتحان الإعدادية لـ«وجيه»، الذى تخطى هذا الموقف الصعب بحكمة ومسئولية واستطاع أن يتخطى الامتحانات وينجح، وكانت الأم حريصة جداً على المذاكرة كما كان يفعل الوالد، وكانت تقلق جداً عليه أثناء امتحاناته، خاصة «الثانوية العامة»، ودائماً ما تجلس معه وتستمع إليه وتحاول أن تقوم بدورها كأم، وأن تعوضه عن الفراغ الذى سببته وفاة الوالد.

بدأ «وجيه» خدمته فى الكنيسة وهو فى الصف الأول الثانوى سنة 1968، بكنيسة الملاك الأثرية بدمنهور مع القمص ميخائيل جرجس، الذى كان قد رسم قساً سنة 1963، وكان أب اعترافه حتى دخوله الدير وكان الأنبا شنودة -أسقف التعليم حينها- يذهب إلى هذه الكنيسة بين الحين والآخر ليقضى فيها أسبوعاً أو نحو ذلك، وفى سنة 1970 حصـل وجيه على شهادة الثانوية العامة، وكان يحلم بأن يصبح صيدلياً، لأن -وبحسب تعبير البابا- «الصيدلى هو شخص يريح الناس»، ويرجع ذلك إلى مرض والده بقرحة فى المعدة وهو بالمرحلة الابتدائية، فكان الطفل وجيه يذهب للصيدلى لشراء الأدوية التى كان والده يشعر بالراحة عند تناولها، فارتبط ذلك فى ذهن وجيه من صغره بأن هذا الشخص يريح الآخرين، وكانت هواية وجيه الأساسية هى القراءة والتصوير.

فى سنة 1975 حصـل «وجيه» على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الإسكندرية بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف، وفى أغسطس من ذلك العام أيضاً تم اختيار «باقى» أميناً للخدمة بكنيسة الملاك بدمنهور، وفى 27 سبتمبر 1975 سيم أغنسطساً -رتبة شماسية معناها قارئ- بيد الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، ثم التحق بالكلية الإكليريكية بالإسكندرية وحصل على البكالوريوس فى العلوم اللاهوتية سـنة 1983، كما حصل على زمالة الصحة العالمية بإنجلترا سنة 1985، وعمل مديراً لمصنع أدوية تابع لوزارة الصحة بدمنهور.

ترهبن في 1988 باسم ثيؤدور الأنبا بيشوي.. وفي العام التالي ورُسم قسا قبل أن يخرج من الدير للخدمة في البحيرة

وكانت كنيسة الملاك الأثرية بدمنهور هى بداية تعلقه بحياة التكريس والرهبنة، فقرر الذهاب للدير، حيث كان هذا الاشتياق فى قلبه منذ الصغر ولكنه تأخر بسبب ارتباطات عائلية وعملية، ولم يفصح عن اشتياقه هذا حتى التحق بالدير، فذهب إلى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون يوم 20 أغسطس 1986 طارقاً باب الرهبنة، ليتفرغ للعبادة وحياة الخلوة مع الله بعيداً عن مشاغل العالم، وبدأ خدمته فى الدير بخدمة المطبخ وقضى فى تلك الخدمة مدة سنتين بجوار مضيفة استقبال الزوار لتقديم الطعام وخدمتهم، كما كان يخدم أيضاً بصيدلية الدير، ورُسـم راهباً فى 31 يولیو 1988 باسم ثيؤدور الأنبا بيشوى بيد البابا شنودة، الذى اختار له هذا الاسم وأصبح مسئول الاستقبال والرحلات بالدير.

وفى 23 ديسمبر 1989 رسم قساً وبعد شهرين اختير للخدمة فى إيبارشية البحيرة بدمنهور بتاريخ 15 فبراير 1990، وفى تلك الفترة أثناء خدمته فى البحيرة، اشترك فى اللقاءات المسكونية لمجلس كنائس الشرق الأوسط حول الكنيسة والتنمية عامى 1990 و1993، كما سـافر إلى ليبيا عام 1995 لمسـاعـدة الكهنة المشتركين فى الخدمة بطرابلس وبنغازى.

خدم ككاهن في ليبيا وأصبح أسقفا في 1997

وبعد سبع سنوات من خدمته بالبحيرة، فى عيد العنصرة سنة 1997 رُسم أسقفاً عاماً باسم الأنبا تواضروس ليساعد الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، وكان الأنبا تواضروس، بشخصيته المتفتحة وفكره الثاقب، يفكر فى تطوير النظام الإدارى بالكنيسة، فدرس (التعليم المسيحى والإدارة) بسنغافورة.

بعد وفاة البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ117 للكنيسة، تم ترشيح الأنبا تواضروس ليخوض الانتخابات البابوية فى 2012، وكرست الكنيسة صوماً عاماً من الدرجة الأولى لمدة ثلاثة أيام، ليقع اختيار القرعة الهيكلية فى 4 نوفمبر 2012 على الأنبا تواضروس البالغ من العمر ستين عاماً وقتها ليكون البطريرك الـ118 فى تعداد بابوات الكرازة المرقسية باسم «البابا تواضروس الثانى».

اختير في عيد ميلاده الستين ليكون البطريرك الـ118 للكنيسة

وفى صباح 18 نوفمبر 2012، دقت أجراس الكاتدرائية المرقسية استقبالاً للبطريرك الـ118 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وسط حضور جمع كبير رسمى وشعبى ليسجد يومها أمام المذبح رافعاً قلبه مصلياً، وليحضر أول صلاة لإقامة بطريرك، والذى كان هو، باكياً لما ينتظره من مسئوليات

 

 

اقرأ المزيد:

عرض التعليقات