ألوان الأنا والمواجهة بالعنف
إن الكمال لله وحده سبحانه وتعالى، جلّت أسماؤه الحسنى، وعظمت صفاته العُلى. كل منا له صفات وسمات لون فى أطلس الحياة المزدحم بالألوان، ومشتقاتها ودرجاتها المتقاربة والنائية، فمنا من له سمة اللون المحايد، ذلك اللون الرمادى المتأرجح بين الأبيض والأسود بما فيه من اللونين، وهو زعم افتراضى لا يمت للواقع إطلاقاً، فلا يوجد أبيض مطلق ولا أسود مطلق، ولكن كل ما يخص ذلك نسبى. ومنا من له سمة اللون المثير المتمثل فى اللونين الأحمر والأصفر ومشتق منهما اللون البرتقالى بكل درجاته.
وآخرون لهم سمة اللون الأخضر والذى يرتبط بنضارة الزرع، لذا فهو دليل الحيوية والإقبال على الحياة، أما الرومانسيون والحالمون فلهم السماء بلونها الأزرق المختلط بالبياض ولون سحابها المبهر.
يبدو أن كل هذه الألوان بداخلنا نحن البشر يزداد أحدها فنبدو متأثرين بسماته، لتحمله جينات كل منا فتأخذ بنا إلى مجال التميز، فنبدع فى مجال ما لنحقق ما أراد الله جل وعلا لنا من تكامل، وكلها بالطبع سمات إيجابية تثرى حياتنا وترقى بنا فى خضمها المتسع فتزداد قدرتنا على تحمل إيقاعات تمحصنا فى الحياة الدنيا هذه.
أما إذا ما أعلى بعضنا «الأنا»، وأعلوا أنفسهم فوق الجميع بزعمهم أن كل من عداهم أعداؤهم، وحتمىٌ مواجهتهم وكسرهم، بذلك يكونون قد محوا الرحمة من سجلات التراحم، وفى مواجهة قوم «الأنا» هذه تجد حفنة تبنوا لغة العنف وأخذ الحق بالقوة على زعم أن قوم «الأنا» أهدروا ماءهم وأحرقوا زرعهم واستولوا على نصيبهم، فإذا بهم يجورون على حق غيرهم ويتوهون فى خضم التزاحم لقولهم إنهم سئموا هذا التفاهم، وآخرون يتركون الأمر كله مستسلمين لحزن اليأس فيحفرون قبورهم بزعم أن الأنا أضاعت طموحاتهم، وأنه ليس أمامهم سوى تعلية التراب المتراكم ليكون حماية لهم لخوفهم من الموج المتلاطم. كل هذه الخصال السلبية التى تعوق تقدم الأمم، علينا، جماعات وأفراداً، أن نلفظها من أطلس حياتنا حتى لا تنساب من بين بناننا أحرف التناغم، ولا نتذكر فى الأوقات العصيبة سوى كلمات الحبيب المصطفى عليه السلام «التمس لأخيك حتى سبعين عذراً، فإن لم تجد فلا تلومنّ إلا نفسك»، علينا أن ننقى سرائرنا من الحقد والغل والأثرة، ومن الكلمات التى تعلى الفرقة «الأنا»، و«لى»، و«عندى»، وأن نحفظ هذا الحديث ونجعله دستوراً لتعاملنا نحن مع كل الألوان فتستريح علاقتنا البينية، ويزداد بيننا التحاب، أتمنى أن تكون تلك الأمنية واقعاً، وحمى الله وطننا مصر من كل سوء.