3 من أسرة واحدة على الجبهة.. «يسري» حارب مع شقيقيه «محمد وعبد الكريم»
الحاج يسري فؤاد
فى أحد الشوارع بمنطقة «المنشية» فى حلوان، جلس الحاج «يسرى فؤاد»، أمام منزله البسيط الذى يعيش فيه وحيداً، ذكريات يسرى عن حرب 6 أكتوبر 1973 تختلف قليلاً عما هو متوقع، لكونه «فنى جوى» فى الجيش، رأى بأم عينه كل خطوة كان يخطوها الجيش المصرى فى المعركة.
وبدأ حديثه قائلاً: «كانت عزيمتنا فى السماء، وعندى إصرار على تحرير أرضنا، يا النصر يا الشهادة».
وأضاف صاحب الـ72 عاماً أنه فى صباح يوم 6 أكتوبر شهد حركة غريبة فى المطار، لم يفهمها إلى أن جاءت الأوامر بتحضير الطائرات والاستعداد للهجمة الجوية، ومع الإعلان عن نجاح الهجمة الجوية، تملّكت يسرى وزملاءه الفنيين على الجبهة مشاعر بالفرحة والحماس، وأصبح الجميع فى تلهف وانتظار أمر بضربة جديدة، وتابع: «لما الضربة نجحت تماماً، فرحنا جداً لأننا أخيراً أخذنا بالثأر، وكان عندى حماس كبير إن الحرب تكمل والكل كان قاعد مستنى الأوامر بضربة تانية واللحظات دى كانت عبارة عن جنى ثمار صبر وتعب وتدريب كل السنين اللى قضيناها فى التدريب والعدو كان فى صدمة، ولم يستطع الرد».
يقضى يسرى أيامه وحيداً فى منزله الصغير، لا يخرج منه إلا للمسجد من أجل أداء الصلاة ثم يعود مرة أخرى، ويعتبر الذهاب للمسجد النشاط الوحيد الذى يقوم به فى يومه، وتهل عليه ذكرى انتصار أكتوبر كل عام بالعديد من الذكريات الحزينة، بالرغم من فخره بالنجاح الذى تحقق فى هذا اليوم إلا أنه لا يتمكن من مقاومة ذكرياته عن صديق عمره والأقرب إليه خلال هذه الفترة، سمير محمد يوسف، الذى استُشهد نتيجة غارة من الأعداء.
ودّع صديق عمره أمام عينيه: اتسحّرنا فى طبق واحد واستشهد جنبى وكتفى كان فى كتفه
وقال الرجل السبعينى والدموع تتلألأ فى عينيه: «كان عندى 23 سنة وقتها، اتسحرنا أنا وهو فى طبق واحد بالليل، وصحينا الصبح على صوت غارة وفى محاولاته للاختباء انفجرت جنبه قنبلة أدت لاستشهاده أمام عينى كان بينى وبينه مسافة 30 متر، كل سنة فى اليوم دا بفتكره» ذكرى تُحزن قلبه إلى اليوم، يسترجعها ذهنه فى هذا اليوم من كل عام.
وأضاف «يسرى» أنه لم يكن الوحيد من أسرته فى الجيش خلال هذه الفترة، كان شقيقه محمد فرد مدرعات، وشقيقه عبدالكريم فى سلاح خدمة الطرق ببلبيس، ما صعّب الأمور على الأب الذى عاش فى امبابة تلك الفترة برفقة ابنته دون معرفة أى أخبار عن أبنائه الـ3، لم يكن لديه سوى سبيل واحد، وهو الدعاء بالنصر، وانهارت الدموع من عينى يسرى وهو يقول: «كان كل واحد يروح يسأل على ولد واحد، أبويا الوحيد اللى كان بيروح يسأل على 3».
وأكمل والدموع تنهال على وجنتيه: «كنا فى رمضان وكان كل يوم يفضل قاعد فى القسم معاهم لحد ميعاد الفطار عشان لو اسمى أو اسم حد من إخواتى جه ضمن أسماء الشهداء، والناس فى القسم حفظوه لأنه الوحيد اللى بيسأل على 3».
وقال إنه بعد انتهاء الحرب وانتصار الجيش المصرى، عاش الأب فرحة كبيرة جداً نتيجة انتصار بلاده واسترجاع أرضها، وهى الفرحة التى كانت تزيد مع عودة كل ابن من أبنائه، عاد محمد لوالده سليماً، وبعده عاد عبدالكريم، وكانت فرحة الأب كبيرة بعودتهم سالمين وانتصار الوطن، ولكن المرض كان أقوى من فرحته، وكان سبباً فى حرمان يسرى من رؤية والده، فعند عودته من الجيش كان الوالد على فراش الموت، لم يلقِ الأب على يسرى سوى نظرة واحدة أخيرة، لفظ بعدها أنفاسه الأخيرة.
ووصف «يسرى» هذا المشهد بدموع فشل فى مقاومتها ومنعها من النزول قائلاً: «سمع خطوات رجلى على الباب عرف إنى جيت فاطمّن إنى عايش ومات، أول ما دخلت الأوضة قال لى سمعت خطوتك وأنت داخل عرفت أن انت وبعدها مات فوراً».
ورغم شعوره القوى بالفخر والمجد فى ذكرى أكتوبر كل عام لما تمكن الجيش المصرى من تحقيقه وتخليص الأرض من يد الأعداء، إلا أن هذه الذكريات الحزينة عن والده وصديق دربه تهاجمه ويفشل فى مقاومة مشاعر الحزن، ما يجعل هذا اليوم من كل عام من الأيام الصعبة التى تمر عليه، ويحاول أن يقضى يومه حتى ينتهى فى هدوء.