«الوطن» ترصد «الصناعات المحظورة» أمام المستثمرين فى «مؤتمر مارس»
قبل أسابيع قليلة من قمة مارس الاقتصادية المزمع عقدها بشرم الشيخ، ومع سعى الحكومة للتأكيد على تذليلها كافة العقبات أمام المستثمرين، تبرز إلى السطح قضية الطاقة والأزمات التى يعانى منها قطاع الصناعة نتيجة عدم توافر الكميات اللازمة من الوقود، ما اضطر صناعات عديدة لغلق أبوابها.
مع مجىء حكومة أحمد نظيف دخل القطاع الخاص مرحلة جديدة، بسبب وفرة الغاز الطبيعى وإعلان سامح فهمى وزير البترول وقتها أن احتياطات الغاز تكفى لعقود، فلم تكن هناك قائمة بأى ممنوعات أو محاذير فى مجال الصناعة، بل إن أحد كبار العاملين فى قطاع الأسمنت قال فى مؤتمر صحفى له «إن الحكومة كانت تعطى الغاز للمصانع بأسعار زهيدة ولم يكن من المنطقى أن نرفض الغاز ونلجأ لبدائل أخرى أكثر كلفة». وبدأت حكومة نظيف طرح تراخيص للحديد والأسمنت والأسمدة، ولصناعات فى غالبية القطاعات بتسهيلات وحوافز وصلت إلى حد أن تتعاقد الحكومة مع الشركة المصرية لإنتاج الأسمدة الآزوتية المملوكة لعائلة ساويرس على منحها الغاز الطبيعى بدولار وربع، وهو رقم زهيد مقارنة بالأرباح التى حققتها الشركة نتيجة التصدير.
ومع ظهور أزمة الطاقة فى مصر نتيجة طرح التراخيص دون ربطها بالطاقة، فضلاً عن تصدير الغاز إلى الخارج بمبالغ زهيدة، بدأت الحكومة فى إصدار قرارات مضادة بعمل قائمة للصناعات الممنوعة فى مصر، ما حال دون ضخ استثمارات ضخمة فى قطاعات مؤثرة فى الاقتصاد.
قائمة الصناعات الممنوعة فى مصر يأتى على رأسها الحديد والأسمنت، فصناعة الحديد التى ساهمت فى بناء إمبراطوريات مثل «عز» و«بشاى» و«الجارحى»، تم وقف إصدار أى تراخيص لها، تسمح بدخول مصانع جديدة على المصانع الخمسة القائمة حالياً، وهو الأمر ذاته الذى تم مع صناعة الأسمنت.
ومع تناقص كميات الغاز المتوافرة للقطاع الصناعى، زادت الحكومة من إصرارها على عدم إقامة أى صناعات ليس فقط الحديد والأسمنت ولكن كافة الصناعات كثيفة الاستهلاك، التى تتضمن الأسمدة والزجاج والسيراميك، وبموجب القوانين الحالية فإن تلك الصناعات لا يمكن الموافقة على إقامتها دون موافقة المجلس الأعلى للطاقة التابع لمجلس الوزراء.
وبحسب ما قاله اللواء إسماعيل جابر، رئيس هيئة التنمية الصناعية، فإن الحكومة لن تمنح تراخيص جديدة فى الوقت الحالى لإقامة مصانع حديد أو أسمنت، وأنه إذا كانت هناك ضرورة قصوى لزيادة إنتاج أى من المنتجين لحاجة السوق فإن الحكومة سوف تشترط على المستثمرين أن يدبروا احتياجاتهم من الطاقة بأنفسهم.
أحد المسئولين بالهيئة قال لـ«الوطن» إن «فك الحظر» عن تلك الصناعات يتوقف بالأساس على حل أزمة الطاقة فى مصر، وتوافر كميات الغاز اللازمة سواء من خلال الاستيراد وزيادة الإنتاج محلياً أو إيجاد بدائل حقيقية للطاقة، وقال أيضاً إن دخول الفحم ضمن منظومة الطاقة والبدائل المتاحة قد يترتب عليه إمكانية طرح تراخيص جديدة فى قطاع الأسمنت، لكن فى وقت لاحق وليس الآن.
الأمر ينطبق على صناعة الأسمنت التى لم تشهد طرح أى تراخيص منذ العام 2008، وعلى الرغم من إعلان هيئة التنمية أكثر من مرة على لسان رئيسها الأسبق اللواء إسماعيل النجدى عزمها طرح 12 رخصة للأسمنت، فإن تلك التصريحات اصطدمت بواقع نقص الطاقة.
وما ينطبق على الحديد والأسمنت ينطبق أيضاً على صناعة الأسمدة، سواء الفوسفاتية أو الآزوتية، وكذلك صناعة الزجاج التى شهد عام 2010 آخر استثمار لها عبر شركة «سفنكس» للزجاج التابعة لمجموعة القلعة، وأيضاً صناعة السيراميك.
وبعيداً عن أزمة الطاقة فإن هناك صناعات أخرى كانت رائجة فى وقت ما، وبالتحديد قبل ثورة يوليو 1952، من بينها صناعة الخمور التى اندثرت بفعل الرفض الدينى والشعبى لها فى مصر، رغم عدم وجود عائق قانونى.
وبحسب مصدر مسئول بوزارة الصناعة فإنه لا توجد مشكلات تتعلق بمنح تراخيص لإقامة مصانع للخمور، إلا أن معظم الشركات العالمية فى هذا المجال تعزف عن الدخول فى تلك الصناعة، لعدة أسباب أولها الاعتبارات الدينية.
ويؤكد المصدر أن الوزارة لم تتلق أى طلبات بمنح تراخيص لإقامة مصانع لإنتاج الخمور أو المشروبات الكحولية، لكنه يشير إلى أن عدداً من المستثمرين الأجانب فكروا قبل سنوات فى اقتحام هذه الصناعة بغرض التصدير إلا أنهم تراجعوا خوفاً من الرفض الشعبى.
ومن المعروف أن الشركة الوحيدة التى تعمل فى صناعة الخمور فى مصر هى شركة الأهرام للمشروبات التى تأسست فى عام 1897 وبدأت عملها بالإسكندرية، وهى الشركة ذاتها التى تمت خصخصتها فى عام 2002 خلال حقبة الخصخصة، فى عهد عاطف عبيد، فاستحوذت عليها شركة «هينكن» الهولندية إحدى أكبر شركات الخمور فى العالم، التى تنتج عدة منتجات شهيرة على رأسها بيرة «ستيلا» و«سقارة» وغيرهما، وما زالت تعمل حتى الآن.
وتلحق بالقائمة ذاتها صناعة الدخان والمعسل التى يمكن اعتبارها من الصناعات الممنوعة فى مصر بشكل رسمى، إذ لا تسمح الحكومة بمنح أى تراخيص جديدة لتلك الصناعة التى تحتكرها شركة الشرقية للدخان الحكومية، لعدة أسباب من بينها وجود حظر على زراعة التبغ داخل مصر، وعدم خلق طلب إضافى على استيراد التبغ من الخارج لعدم الضغط على الدولار.
ومن المعروف أن أغلب الشركات الأجنبية التى تمكنت من دخول سوق السجائر فى فترة التسعينات أو حتى فى العامين الماضيين، مثل فيليب موريس وأمريكان توباكو، تقوم بتصنيع سجائرها لدى الشركة الشرقية، بينما تمكنت شركة «جابان توباكو» اليابانية من دخول السوق قبل عام ونصف عن طريق الاستحواذ على رخصة مصانع أدخنة النخلة لإنتاج المعسل.