تعرف على جهود "المصالحة المذهبية" في المنطقة العربية
نشر المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية دراسة بعنوان "الوساطة الدينية: أنماط ومعوقات جهود المصالحة المذهبية في المنطقة العربية"، أشار فيها لاكتساب مبادرات المصالحة المذهبية زخمًا متصاعدًا على امتداد الإقليم في الآونة الأخيرة، لاحتواء وتسوية الصراعات الطائفية التي باتت تهدد دولًا عديدة، إذ اتجهت أطراف إقليمية متعددة إلى طرح مبادرات للتقريب والحوار بين المذاهب ورأب الصدع السني-الشيعي المتصاعد لمواجهة التمدد الإقليمي لتنظيم "داعش" وتزايد نشاط التنظيمات الإرهابية في اليمن وسوريا والعراق.
وأوضحت الدراسة من خلال خريطة للصراعات المذهبية في الوطن العربي أن هناك أربع دول أثرت عليها الصراعات المذهبية وأصبحت غير مستقرة داخليًا، وتلك الدول هي لبنان وسوريا واليمن والعراق.
لبنان: لم تنقضِ تداعيات الصدامات المذهبية في لبنان بين منطقة جبل محسن ذات الأغلبية العلوية وباب التبانة ذات الأغلبية السنية، والتي تفجرت بسبب التدخل العسكري لـ"حزب الله" في الصراع الدائر في سوريا لدعم نظام الأسد، على الرغم من إحكام قوات الأمن اللبنانية سيطرتها على الأوضاع الأمنية في طرابلس في مايو 2014.
سوريا: تعد الانقسامات المذهبية بين قوى وفصائل المعارضة السنية ونظام الأسد المدعوم من جانب العلويين أحد أهم أبعاد الصراع الأهلي الممتد بين الطرفين، خاصةً في ظل استناد نظام الأسد لدعم إيران و"حزب الله" كأحد أهم تجليات الاصطفافات المذهبية في خضم الصراعات الأهلية.
العراق: يعد الصراع الأهلي الدائر في العراق أحد أهم نماذج الصراعات المذهبية في الإقليم، وسيطر تنظيم "داعش" على مناطق تمركز السنة في نينوي وصلاح الدين والرمادي، بينما يتمثل التطور الأكثر خطورة في عمليات التطهير المذهبي و"القتل على الهوية" والتهجير القسري التي تمارسها ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية الداعمة للجيش العراقي بحق السنة.
اليمن: تصاعدت انتهاكات "الحوثيين" بحق السنة في منطقة دماج الواقعة في صعدة التي يسيطر عليها تنظيم "أنصار الله" بقيادة عبد الملك الحوثي، وزادت الصراعات المذهبية عقب التوسعات العسكرية لـ"الحوثيين" انطلاقًا من صعدة وتطويقهم التدريجي للعاصمة بالاستيلاء على محافظات عمران وزفار بعد هزيمة الكتيبة "310" التابعة للجيش.
وتفاوتت مبادرات المصالحة المذهبية في أدواتها ودافعيتها والفاعلين القائمين بطرحها في إطار عدة أنماط يتمثل أهمها فيما يلي:
1- مبادرات الوساطة: تصدرت مبادرات مؤسسة الأزهر في مصر جهود الوساطة في بؤر الصراعات المذهبية في الآونة الأخيرة، فخلال زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للأزهر الشريف، في 12 يناير 2015، طرح الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر مبادرة لعقد مؤتمر للمرجعيات الشيعية في العراق وإيران والعلماء السنة للتوفيق بين المذاهب.
2- لقاءات المصالحة: تم إطلاق حوار بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" في لبنان، في 23 ديسمبر 2015، يركز علي التهدئة السنية- الشيعية وتخفيف الاحتقان المذهبي ومكافحة الإرهاب وفض الاشتباكات بين الفرقاء المذهبيين.
3- توافقات المرجعيات: تصاعدت وتيرة السعي لتحقيق التوافق بين المرجعيات والرموز الدينية بالنظر إلى تأثيرها في عموم المنتمين للمذاهب المختلفة، وهو ما يتضح في دعوة رئيس ديوان الوقف الشيعي العراقي السيد صالح الحديري لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لعقد لقاء مع المرجع الأعلى بالعراق علي السيستاني في النجف الأشرف للإصلاح بين طوائف المسلمين في مختلف أرجاء العالم الإسلامي والتصدي للتطرف والعنف.
4- مؤتمرات التوفيق: لم تنقطع مؤتمرات التوفيق بين المذاهب منذ إطلاق المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) لمشروع "استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية" في عام 2001 وقرار منظمة التعاون الإسلامي في مكة، في عام 2005، برفض تكفير أصحاب المذاهب الجعفرية واليزيدية والإباضية والظاهرية والتأكيد على الحوار والتقريب بين مختلف المذاهب الإسلامية.
5- مراكز الحوار: جاءت دعوة العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في أغسطس 2012، لتأسيس مركز للحوار بين المذاهب، لتدعم الاتجاه نحو إنشاء عدة مراكز للحوار والتوفيق بين أتباع المذاهب المختلفة.
6- التوعية الأكاديمية والمجتمعية: في مصر مثلاً، أكد الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف، أهمية التركيز على التعددية الفكرية من خلال تدريس اثنين من المذاهب الشيعية بالأزهر، والأمر ذاته ينطبق على معهد "الدعوة للدراسات الإسلامية" في بيروت الذي يدرس مختلف المذاهب الإسلامية بما فيما المذاهب الشيعية، وعلى مستوى جهود التوعية المجتمعية أطلقت مؤسسة الأزهر الشريف مبادرة "الأزهر يجمعنا" والتي تتضمن سلسلة من الندوات والحوارات الثقافية في مواجهة التطرف في 4000 مركز شباب على مستوى الجمهورية.
أما معوقات الفاعلية تتمثل في أن جهود المصالحة المذهبية لا تزال تفتقد للفاعلية في التوفيق بين المذاهب واحتواء حدة الصراعات الأهلية على امتداد الإقليم بالنظر إلى هيمنة النخبوية والفردية والانفصال على أغلبها وإغفالها لتعقيدات واقع الصراعات الإقليمية، ما يجعل التفاعلات بين المذاهب أقرب لمعادلة صفرية محكومة بالصراع والانقسام بين أطرافها.