بروفايل| العادلي.. "كرباج" مبارك طليق
قبل أربع سنوات، وطأت قدماه نفس المكان ليجلس خلف قضبان المحكمة، ببدلته الزرقاء، كاظمًا غضبه.. صامتًا.. مشدوهًا بهول الموقف فارتسمت على وجهه ملامح القهر والصدمة من تحوله إلى سجين بعد أن كان رجل "الداخلية الأول"، والأقرب إلى "مبارك"، إلا أنه خرج منه اليوم في هيئة "كامل السعادة" ليتلقي المباركة والتهنئة بوجه بشوش تعلوه الفرحة بعد أن حصل على حكم "البراءة" للمرة الثالثة.
حبيب إبراهيم العادلي، الذي ولد بالقاهرة في 1 مارس 1938، لأسرة متوسطة، وحصل على ليسانس الحقوق ودبلوم المواد الشرطية من كلية الشرطة عام 1961، لم يكن رجلًا عاديًا بل ذو فكر بعيد المدى وأهداف كبيرة لن تلبيها سوى مساعيه، فمضى في طريقه يحصد عددًا من الدورات التدريبية منها فرقة البحث الجنائي، وفرقة البحث عن الجريمة "المركز القومي للبحوث الجنائية"، وأخرى تخصصية في مجال مباحث أمن الدولة، وفرقة إدارة الأزمة من الولايات المتحدة الأمريكية في 1985، ما أهلته للالتحاق بالعمل في الأمن العام، بإدارة مكافحة المخدرات، ثم جهاز مباحث أمن الدولة، إلى أن وصل لمنصب نائب رئيس الجهاز، ثم انتدب للعمل بوزارة الخارجية بين عامي 1982 و1984، وعاد مرة أخرى لوزارته ليجلس على كرسي مساعد وزير الداخلية، الذي لم يمثل نهاية مطاف أحلامه الذهبية.
وزير الداخلية.. كان المنصب الذي جسَّد آخر محطات العادلي، الرجل الأكثر دهاءً بين رجال مبارك، ليتولاه في عام 1997 خلفًا للواء حسن الألفي، إثر مذبحة الأقصر في 1997، ليتمتع في العادلي بسلطة وقدرة وبطش مارسها بإتقان شديد وهدوء نابع من هيئته الثابتة وعينيه الثاقبتين المفعمتين بالذكاء والفطنة، أخفاهما خلف نظارته الطبية، وشعره الذي كثاه الشيب من شدة المعرفة، لتمكنه من ضبط أمن الدولة واستقرارها في الفترة القصيرة التي يقوم بها في "حلاقة ذقنه"، على حد قوله مسبقًا.
14 عامًا، قضاها العادلي في منصبه وزيرًا للداخلية دون أن يتزحزح من مكانه، بل يزداد قربًا ومكانة بين رجال مبارك، ليلازم الرئيس في كل جولاته المهمة والمواقف الحاسمة، ليشهد خلالها الشعب المصري البسيط العديد من الانتهاكات والاعتقالات التعسفية والتعذيب ومقتل الكثير من الشباب كان آخرهم خالد سعيد، تحت مظلة "قانون الطوارئ"، وهو ما أشعل فتيل ثورة 25 يناير 2011، فأطاحت بالنظام بأكمله وأودعتهم جميعًا خلف القضبان، بتوجيه 4 تهم إليهم من قتل المتظاهرين، والكسب غير المشروع، واللوحات المعدنية، وسخرة الجنود، والتي يحصد فيها أحكامًا تتجاوز 45 عامًا.
إلا أن وزير الداخلية الأسبق حصل على أحكام البراءة في ثلاثة من تلك القضايا، بعد النقض على الأحكام المبدأية الصادرة ضده، لتستمر فقط قضية "سخرة الجنود"، لينضم إلى ركب "البراءات" لأعضاء الحزب الوطني المنحل ورجال مبارك، ليكشر الذئب الماكر عن أنيابه بابتسامته الواسعة بعد تنظيف ذمته من التهم التي وجهت إليه، مستعدًا لإخلاء سبيله وعودتهم لاستنشاق الحرية خارج أسوار السجون.