العائدون من «جحيم ليبيا».. حكايات الإهانة والتعذيب
عيونهم متلهفة لرؤية ذويهم، يجلسون على الرصيف أمام بوابة رقم 2 بمطار القاهرة الدولى، الطقس شديد البرودة، مياه الأمطار تتساقط، بينما يقف رجل سبعينى، مرتدياً جلبابه وعمامته، تترنم شفتاه بالدعاء: «رب رد لى ابنى الغائب»، عشرات من الرجال والنساء بينهم أطفال من الأهالى، جاءوا ينتظرون العائدين من ليبيا على الطائرة المصرية، التى حلقت عصر أمس الأول فى طريقها إلى تونس، من أجل إجلاء المصريين الموجودين فى ليبيا.
خارج صالة الوصول فى المطار، أمام الحاجز الزجاجى، يقف رجل مرتدياً جلبابه، تتجول عينه يميناً ويساراً، ينتظر زوجته العائدة من ليبيا، بعد أن تركها منذ 4 أشهر، راجعاً إلى مصر، من أجل تجديد جواز السفر الخاص به، هذا ما قاله سعد مسلم الرجل الخمسينى، الذى يقطن فى مدينة الزقازيق، مضيفاً: «انا بشتغل فى ليبيا من سنين، وللأسف سبت مراتى على أنى هنزل أجدد الجواز وأرجع على طول».
يقول سعد أنه منذ حدوث المجزرة الأخيرة فى المصريين هناك، لم يتمالك نفسه، وكان لديه خوف كبير على زوجته، حتى أجرى اتصالات بأرقام وزارة الخارجية، حتى تساعده على عودة زوجته، لكنه يقول، أنه قبل ذلك التاريخ بأربعين يوماً، ساءت الأحداث فى ليبيا ضد المصريين، ما دفعه أن يبلّغ زوجته، أن تسلم نفسها إلى الجيش هناك. «سعد» الذى كان يعمل فى طرابلس، تحديداً فى منطقة «أبو سليم»، يوضح أنه لم يشهد خلال وجوده، أى ظهور لجماعة «داعش»، لكن الجماعة الأكثر انتشاراً هناك هم جماعة «أنصار الشريعة».[SecondImage]
حالة من الفرح، تنتاب الأهالى الجالسين، أصوات تعلو وأخرى فرحة، نساء تزغرد، وأحضان تدفئ القلوب، التى ظلت منتظرة، على مدار أكثر من 5 ساعات خروج ذويهم، عقب وصول الطائرة فى الواحدة صباحاً، لكن الإجراءات منعت خروج العائدين قبل السادسة من صباح أمس. يخرج فى حركة بطيئة من داخل صالة المطار، وجهه شاحب، متعب الجسد، يحمد ربه أنه عاد إلى زوجته وأولاده، قائلاً «أنا بشتغل فى ليبيا عامل، وكنت لسه راجع من الشغل ودخلوا قبضوا عليّا أنا وزمايلى».
عبدالهادى السيد، ابن محافظة أسيوط، يقول إنه يعمل فى ليبيا منذ 2006، لم تمر عليه أيام هناك أسوأ من هذه الفترة، ويروى الرجل الثلاثينى، أنه منذ 20 يوماً، دخل عليه فى سكنه بعض أفراد من جماعة «فجر ليبيا»، التى تسيطر على العديد من المدن الليبية، قامت بأسره، ولم يستطع أن يأخذ سوى جواز السفر الخاص به، فيما ترك ملابسه وماله: «خدونا من البيت وفضلوا يشتموا ويهينوا فينا، ويشتموا فى الرئيس بتاعنا»، موضحاً أنه تم سجنه 20 يوماً فى السجن العمومى بمدينة «مصراتة» الليبية. يقول «عبدالهادى»، أنه بعد حادثة ذبح المصريين فى ليبيا، ورد الفعل من مصر، بقصف المواقع فى درنة، بدأت الاتصالات مع السفارة، على أن يتم السماح لهم بالعودة إلى مصر: «تحركنا من مصراته إلى الزاوية ومنها إلى حدود تونس، والحمد لله رجعنا بلدنا تانى».
يقول كريم سعيد كامل، الذى يعمل مدير مبيعات فى مدينة طرابلس بإحدى الشركات الخاصة هناك، إنه يوجد فى ليبيا منذ 3 سنوات: «أنا الدنيا بالنسبة ليّا هناك كويسة ومعنديش مشاكل، لكن الفترة الأخيرة، الأحداث بدأت تتوتر بسبب تصرفات فجر ليبيا مع المصريين، وظهور جماعة داعش». يوضح «كريم» ابن مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، أن المصريين يعيشون هناك فى حالة خوف، خاصة بعد هذه المجزرة البشعة التى حدثت للمصريين، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الشائعات حول اختطاف المصريين من قبل بعض الجماعات هناك.
يصف «كريم» التعامل مع المصريين، بأنه فى غاية الصعوبة، وأن هناك العديد من المصريين المتضررين بسبب هذه المعاملة، موضحاً أنه عاد إلى مصر، عقب الأحداث الأخيرة والضربة الجوية المصرية، التى أزعجتهم فى ليبيا: «أنا بصراحة نزلت عشان خايف أن السيسى يضرب ضربة تانية فماعرفش أنزل».
يروى محمد عزيز، الذى يبلغ من العمر 24 سنة، أنه ذهب للعمل فى ليبيا خلال شهر يناير الماضى، وعقب وصوله إلى مصراته قابلته جماعة «فجر ليبيا»: «نزّلونا من العربية، وفضلوا يشتموا فينا وفى السيسى، واننا هنعلمكم الأدب، واننا مش عايزين أى واحد سيساوى هنا». يصف «عزيز» ابن محافظة الفيوم، معاملة الجماعات التى قبضت عليه بأنها «فى منتهى الغل والإهانة والغضب من المصريين»، موضحاً أنه ظل بعد ذلك التاريخ أكثر من 25 يوماً فى سجن تابع لهذه الجماعة: «أول ما حصلت المجزرة فى المصريين، والسيسى ضرب درنة، معاملتهم اتغيرت خالص معانا».
يروى «عزيز» أنه عقب الضربة الجوية المصرية، تغيرت المعاملة إلى الأفضل، كما أنهم أعطونا تليفونات، حتى نستطيع الاطمئنان على أهالينا فى مصر، بعد ذلك قاموا بعمل تأمين كامل لنا، مما أثار تساؤلنا جميعاً، فيما قالوا لنا عقب الوصول إلى حدود تونس «وصّلوا رسالة للسيسى أن فجر ليبيا مش إرهاب، احنا خدناكم 180 كيلو ومعاكم حريم ومحدش قرب منكم»، يكمل محمد حديثه: «كل ده عشان يثبتوا أنهم حكومة رسمية للبلد لكن هما شوية بلطجية».
يقول محمد محمود أحمد، الذى تعرض للحبس عدة أسابيع على يد جماعة «فجر ليبيا»، أنه تم القبض عليهم أثناء وجودهم فى محل سكنهم: «دخلوا علينا فى الفجر، خدونى أنا و50 مصرى من الحوش اللى إحنا كنا عايشين فيه، وقاموا بوضع مزيل شعر على راسى من الخلف»، يقول «محمد» أن الجيش الليبى هو الذى ساعد فى إخراجهم، بعدما تم سجنه مع زملائه، ومعاملتهم أسوأ معاملة من الضرب والإهانة: «اللى شفته هناك إهانة وقلة أدب، وهناك ممكن أى حد راكب عربية يدوسك تحت عربيته وماتقدرش تاخد منه حق ولا باطل»، مضيفاً: «لو ماتعدلش حال ليبيا أنا مش هدخلها تانى وكفاية اللى أنا شفته على كده والحمد لله أنى رجعت بلدى تانى».
يقف الرجل الأربعينى ناظراً حوله، لعله يرى أحداً من أقاربه فى انتظاره، يخرج من باب صالة المطار، رافضاً فى البداية الحديث: «لينا ناس فى ليبيا وخايفين عليهم لحسن يتأذوا، إحنا الحمد لله وصلنا بس لسه إخوتنا هناك ماجوش»، كلمات قالها محمد عبدالعظيم، أحد المصريين العائدين من ليبيا. يروى «عبدالعظيم»، أنه كان مسجوناً داخل أحد المعسكرات هناك، «مديرية أمن جنوب طرابلس»، وهى بحسب رواية «عبدالعظيم»، ذلك المكان الذى استولت عليه جماعة «فجر ليبيا»، واختطفوه وإخوته من مسكنهم ليزجوا بهم فيه: «أنا كنت شغال مبيض محارة، وخطفنا ناس من أنصار جماعة فجر ليبيا وودونا لسجن تبعهم، وكانوا بيشغّلونا بالضرب والإهانة والتهديد، واتحبسنا فيه 4 شهور كاملين».
لحظات من الصمت ثم يستكمل حديثه: «لسه فيه 8 مصريين موجودين فى معسكر طرابلس، بيشتغلوا زى ما كنا بنشتغل»، يوضح «عبدالعظيم»، أن البلد تحولت إلى النقيض تماماً بعد الضربة الجوية المصرية، وبدأت المعاملة لهم بصورة أفضل مما كانت عليه، حتى خرجوا من مكانهم، إلى الحدود التونسية فى طريق العودة إلى مصر: «إحنا ربنا سترها علينا وعرفنا نرجع تانى مصر، بس لسه فيه مصريين كتير أوى هناك يارب يرجعوا كلهم بالسلامة». يعود «عبدالعظيم» إلى الحديث عن تجربته المؤلمة قائلاً: «أنا عمرى ما أسافر ليبيا تانى بسبب الضرب اللى حصل فينا، وربنا يعوضنا على الفلوس اللى راحت علينا».