خبيرة تربوية: سلوك الأطفال تغير للأفضل.. والحياة الآدمية تحقق لهم الرضا والثقة
د. إيمان الريس
د. إيمان الريس: تطوير المناطق العشوائية من أهم خطوات تحقيق العدالة الاجتماعية والاتزان النفسى
أكدت د. إيمان الريس، الخبيرة التربوية وأخصائية صعوبات التعلم، أن الحياة الكريمة التى يحياها أطفال المناطق البديلة للعشوائيات ستساعد فى بناء جيل سوى نفسياً قادر على الاندماج بسهولة فى المجتمع، مؤكدة، خلال حديثها لـ«الوطن»، أن تعديل السلوكيات السيئة لهؤلاء الأطفال يحدث بالتدريج من خلال الانتظام فى صفوفهم الدراسية وممارستهم الرياضة، فضلاً عن مشاركتهم فى الأنشطة الفنية والثقافية التى توفرها لهم قصور الثقافة والمراكز الشبابية.. وإلى نص الحوار:
فى البداية.. عرفينا كيف تؤثر جودة المعيشة فى تغير سلوك الطفل فى المناطق البديلة للعشوائيات؟
- يؤثر أسلوب المعيشة ومدى جودته على سلوك الأطفال بلا شك، لذا عندما ينتقل الطفل إلى حياة جديدة مغايرة لما كان يعيشه، يبدأ فى التأقلم والتغير شيئاً فشيئاً، إذ تساعده المجتمعات الآدمية التى يتوافر بها المسكن الآمن مكتمل الخدمات والمرافق على تبدل مشاعره السلبية والضغائن التى كان يحملها تجاه المجتمع إلى الشعور بالسعادة والرضا عن حياته وبيئته الجديدة، فنراه يسعى إلى تغيير حياته للأفضل من خلال الاهتمام بمظهره وتسابقه للاشتراك فى الورش الفنية والرياضات المتنوعة التى توفرها المراكز الشبابية الملحقة بتلك المناطق، كما نلاحظ تطور مستواه الدراسى والثقافى، نظراً لتوافر التعليم الملائم له وقصور الثقافة التى تقدم أنشطة تعليمية وثقافية عديدة، وبالتالى نجد الطفل يتخلص بنفسه من العادات والسلوكيات السيئة التى كانت تلازمه فى بيئته القديمة.
هل هناك سلوكيات مصاحبة للعيش فى المناطق العشوائية الفقيرة؟.. وكيف يمكن تعديلها؟
- نعم هناك سلوكيات سيئة تفرضها المناطق العشوائية الفقيرة على قاطنيها، فنلاحظ أن غالبية الأطفال يتسمون بالسلوك العنيف والعدوانى، فضلاً عن التصرفات غير الأخلاقية والانحرافية، كإدمان المخدرات والسرقة وغيرهما، وذلك يرجع إلى عدم الاستقرار الأسرى فى تلك المناطق وقضاء أغلب الوقت فى اللعب بالشارع ونزولهم للعمل فى سن صغيرة بما يعرضهم للكثير من المواقف والتجارب التى لا تتناسب مع أعمارهم، كما يتعرض بعض الأطفال منهم إلى العنف الأسرى الذى ينعكس على سلوكهم بالسلب.
ورغم هذا يمكن القول إن تعديل السلوكيات السيئة والانحرافية يبدأ بمجرد الانتقال إلى مساكن آدمية تجعل الأطفال يشعرون بقيمتهم ومدى الاهتمام بهم، ومن ثم يحدث التحول التدريجى خلال زيارتهم لقصور الثقافة وممارستهم للرياضة، واشتراكهم فى الأنشطة المتنوعة التى توفرها المدن بديلة العشوائيات.. لذا يمكن اعتبار تطوير المناطق العشوائية من أهم الخطوات التى تحقق العدالة الاجتماعية للأطفال، بما يؤدى إلى الاستقرار النفسى الذى يُعتبر أول خطوة نحو بناء جيل سوى قادر على النهوض بالبلد.
كيف يمكن تأهيل أهالى أطفال المناطق البديلة لتربية أبنائهم وفقاً للحياة الجديدة التى يعيشونها؟
- تُعتبر الأسرة هى الأساس فى تربية الأبناء، وتعليمهم السلوكيات المناسبة وغير المناسبة، فضلاً عن دورها فى إكساب الأبناء مجموعة من المبادئ والأخلاقيات التى تساعدهم فى التعامل بشكل سوى وآدمى مع الآخرين، ولأن الكثيرين من الأهالى فى المناطق البديلة افتقدوا أسس تربية الأطفال بطريقة صحيحة فمن الضرورى عقد الدورات التدريبية لهم بشكل دورى لتعليمهم سبل التعامل مع الأبناء وتربيتهم بأسلوب راقٍ يخلق منهم جيلاً متزناً نفسياً وقادراً على الاندماج بسهولة فى المجتمع، وهذا ما وجدناه بالفعل على أرض الواقع، من خلال تعاون الدولة مع مؤسسات المجتمع المدنى لتقديم الاستشارات الأسرية لأهالى تلك المناطق، كما شاهدنا فى جمعية خير وبركة والمرأة الجديدة فى الأسمرات التى أطلقت عدة برامج لتوعية الأهالى والأسر وخلق حوار آمن بين الأجيال.
ما القيم والسلوكيات التى ينبغى تعليمها لأطفال العشوائيات بعد انتقالهم للمدن المطورة؟
- يكتسب أطفال المناطق البديلة القيم والسلوكيات الحميدة بالتدريج من خلال ترددهم على قصور الثقافة والمكتبات المتوفرة فى مدينتهم، فللقراءة أثر كبير على وعى الطفل، فهى توسع مداركه وتجعله مُقبلاً على المعرفة والتعلم، كما تساعده على تعديل سلوكه من خلال الاطلاع على قصص لنماذج إيجابية، كما يؤدى حضور الطفل للورش الفنية الخاصة بالرسم والتمثيل وغير ذلك إلى التعبير عن نفسه ومشاعره.
الحياة الكريمة تنمى مشاعر الانتماء والمواطنة لدى الأطفال وتغير نظرتهم للمستقبل
كيف تساهم الحياة الآمنة التى يحياها أطفال المناطق البديلة فى تقوية مشاعر الانتماء والمواطنة لديهم؟
- عندما يحيا الطفل حياة كريمة، ويتحقق لديه الاستقرار النفسى والاجتماعى والتعليمى والرياضى، تقوى عنده مشاعر الانتماء وحب الوطن بشكل بديهى، وبالتالى يحدث التطور الإيجابى فى المبادئ والسلوكيات الأخلاقية وتندثر العادات السيئة، كالكذب والغش والسرقة وغيرها، وقد ساعدت الأنشطة الثقافية على تنمية مشاعر الانتماء لدى هؤلاء الأطفال من خلال الزيارات الميدانية التى تنظمها قصور الثقافة لأطفال الأسمرات والخيالة وروضة السيدة وغيرها من المناطق للمتاحف والأماكن الأثرية، بما يعرفهم على عظمة تاريخ بلدهم، كما تساعد أنشطة الحكى التى تنظمها المكتبات على تعريف الأطفال بمبادئ المواطنة واحترام الآخر.
حياة آدمية للطفل
ينظر طفل المناطق البديلة لنفسه نظرة مختلفة بعد انتقاله من الحياة العشوائية إلى حياة آدمية، فبعدما كان يحيا فى عشش ومساكن متهالكة تحوى غرفة واحدة يجتمع فيها هو وجميع أفراد أسرته، أصبحت لديه الخصوصية بامتلاكه غرفة فى وحدة سكنية بها كافة الإمكانيات اللازمة لعيشه فى بيئة سوية مثل الأطفال الآخرين، ما يجعله يشعر بالاتزان والثقة فى النفس ويبدأ فى تقدير ذاته، لينعكس ذلك على مستواه التعليمى والرياضى، كما يساعده ذلك على توليد طاقة إيجابية لديه تساعده على تنمية مهاراته وطموحه وتحقيق أحلامه، حتى تنتج لنا تلك المناطق المطورة، بمرور السنوات، الطبيب والمهندس والمعلم والبطل الرياضى كلاً متفوقاً فى مجاله.