أساتذة اجتماع: المدن الجديدة تحسن جودة الحياة.. وتحقق العدالة الاجتماعية للمواطنين
الدكتور شريف عوض
أوضح علماء اجتماع أن العيش فى المدن الجديدة التى تتسم بالتخطيط الجيد والحياة الراقية يسهم فى إكساب الأفراد خصائص وقيماً اجتماعية مهمة، كالخصوصية والأمان والمواطنة والانتماء.. وغيرها، كما يسهم فى تغيير العلاقات الاجتماعية للأفضل بعد التخلص من العشوائية التى اعتاد عليها البعض فى بيئاتهم القديمة.
«عوض»: تُكسب المواطن قيماً اجتماعية راقية
إذ أكد الدكتور شريف عوض، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، أن هناك علاقة ارتباط بين الإنسان والمكان الذى يسكنه، إذ يؤثر الإنسان فى بيئته كما يتأثر بها، فينعكس التخطيط المتحضر وآدمية المكان على طباع الإنسان الذى يسكن فيه، وكأن المكان يضفى هوية جديدة وملامح خاصة لكل من انتقل إليه: «المدن الجديدة التى أنشأتها الدولة على مدار أعوام تتسم بالرقى فى التخطيط وجودة المعيشة، ما جعل حياة الإنسان تتغير فى كل شىء، بداية من استنشاق الهواء النقى واختلاف الرؤية البصرية من خلال الاطلاع على المساحات الخضراء المنتشرة فى تلك المدن».
وأضاف لـ«الوطن» أن الحياة فى المدن الجديدة الحضرية تجعل الإنسان يعيش حياة مستقرة نفسياً واجتماعياً، فنجده يعيد ترتيب أمور حياته وتتغير علاقاته الاجتماعية للأفضل، وتتطور تأملاته الفكرية، فيبدع وينتج فى عمله بشكل أكثر كفاءة وجودة، ما ينعكس بالإيجاب على كل جوانب الحياة، وتابع قائلاً إن العيش فى بيئة تضمن حياة كريمة ومتطورة للمواطن يرفع من الشعور بالبهجة والسعادة لديه ويجعله يقيم أمور حياته وعلاقاته الأسرية والاجتماعية بشكل أهدأ بعيداً عن خصال العشوائية والعصبية التى ترتبط بالأماكن العشوائية وغير المخططة جيداً.
ولفت أستاذ علم الاجتماع، إلى السلوكيات والطبائع العشوائية السيئة التى يكتسبها البعض فى بيئاتهم القديمة، مؤكداً أهمية تقويم وتعديل تلك السلوكيات عن طريق إقامة الدورات التدريبية، بهدف إعادة التأهيل الثقافى والاجتماعى والتعليمى والفكرى، وهذا ما تعمل الدولة عليه بالفعل: «يجب ألا يكون نقل المواطنين إلى المدن الجديدة نقلاً ميكانيكياً فقط، بل ينبغى أن يكون هناك تغيير فى المفردات والمفاهيم العشوائية التى تعودوا عليها خلال سنوات طويلة، حتى يمكننا القول إنه نقل ثقافات بشرية وليست كتلاً بشرية»، مشيراً إلى أهمية أن تضم كل مدينة سكاناً لهم نفس الخصائص الاجتماعية ومتشابهين فى الأصول الطبقية، بما يضمن حدوث نوع من الانسجام والتفاعل الإيجابى.
«عز الدين»: الحياة الكريمة تنمى مشاعر المواطنة والانتماء
من جانبها، قالت الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذة علم الاجتماع بجامعة المنوفية، إن انتقال سكان العشوائيات، بصفة خاصة، للعيش فى المدن الجديدة، يستلزم التحلى بسلوكيات اجتماعية راقية تناسب المكان، كمراعاة الجار والتعامل معه بلطف وعدم إزعاجه، والبعد عن الشجار ومضايقة الآخرين، ومراعاة خصوصية الغير: «هذا التغيير يحتاج لإعداد جيد من خلال تضافر الجهود الرسمية وغير الرسمية، وهذا ما لاحظناه عندما تعاون عدد من الوزارات ومؤسسات المجتمع المدنى، لتقديم العديد من الدورات التدريبية للأطفال ساكنى المناطق بديلة العشوائيات، لتعديل سلوكياتهم الخاطئة، وتعميق مشاعر الانتماء والمواطنة لديهم خلال الزيارات الميدانية التى تُنظم لهم للمتاحف والأماكن الأثرية».
وأضافت «عز الدين» أن العيش فى مدن جديدة متطورة يضفى بالطبع أبعاداً وخصالاً جديدة على القاطنين فيها، من أهمها بُعد الخصوصية، فبعد تعود سكان العشوائيات على نمط معيشة مشتركة، كعيش الأسرة كلها فى غرفة واحدة، وامتلاك حمام مشرك مع العديد من الأسر، أصبح لديهم وحدة سكنية مجهزة وكاملة المرافق، بها أكثر من غرفة، وحمام خاص: «تغيير أسلوب المعيشة وتحسين جودة الحياة يعطى للمواطن معانى جديدة للحياة، جعلته أكثر استقراراً أسرياً واجتماعياً، إذ يصبح أكثر إقبالاً على التفاعل مع السكان المجاورين وتنمية علاقته الاجتماعية، ما يزيد شعور الألفة لديهم لبعضهم البعض وللمكان».
كما تضيف تلك المدن بعداً جديداً، وهو الشعور بالأمان، فلم يعد يشعر بالخطر الذى كان يعيشه فى سكنه القديم، إذ كان مهدداً بسقوط المنزل أو العشة فوق رأسه هو وأبناؤه فى أى وقت، وكان أكثر من يشعر بالتقلبات الجوية ما بين الحرارة الشديدة فى الصيف والبرد القارس والأمطار فى الشتاء، بسبب الأسقف المتهالكة والمتآكلة.
وتابعت أستاذة علم الاجتماع قائلة إن تحقيق العدالة الاجتماعية وتنمية مشاعر الانتماء والمواطنة هى أفضل النتائج المترتبة على إنشاء المدن الجديدة، وذلك من خلال ضمان حياة آدمية حضرية لكل المواطنين، ما يجعلهم يدركون اهتمام الدولة بتطوير حياتهم ومستواهم الاجتماعي والنفسي والتعليمي، ما يؤدى فى النهاية إلى زيادة مشاعرهم الإيجابية نحو وطنهم، وبالتالى تحقيق النهضة والتقدم فى الإسكان وقيم الديمقراطية، ومستوى الصحة العامة، وتماسك المجتمع، والرضا عن الدخل والحياة بصفة عامة.
وأشارت كذلك إلى أهمية الخدمات التى وفرتها تلك المدن على المستوى الاجتماعى والنفسى والثقافى، إذ تساهم مراكز الشباب والملاعب، والمسارح، والمكتبات الملحقة بالمدن الجديد فى تطوير مستوى الحياة الثقافية والاجتماعية، وخلق جيل واعٍ متحضر لديه القدرة والكفاءة على إضافة الكثير لبلده: «الحياة الحضرية الجديدة ستقدم لنا مبدعين ومثقفين، وعلماء ومخترعين، وأبطالاً رياضيين يمكنهم من رفع اسم مصر التى وفرت لهم حياة وبيئة مستقرة ومتطورة».