فى شهر رمضان المبارك أنزل الله القرآن الكريم على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم- فى ليلة مباركة، ليلة القدر (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وصدى العبارة المشهورة: (نزل القرآن فى مكة، وكتب فى تركيا، وقُرئ فى مصر) له رنينه، فمصر دولة التلاوة ودولة المديح النبوى والابتهالات، ودولة حب النبى وآل بيته الأطهار، والقُراء بذاتهم هم دولة لوحدها، تنير العالم الإسلامى بنور القرآن، وهناك برنامج يُذاع على بعض القنوات الفضائية عنوانه: (دولة التلاوة) لفضيلة الأستاذ الدكتور «على جمعة»، المفتى السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، يتناول فيه كل يوم حنجرة من حناجر السماء، التى جرى على لسانهم كتاب الله، من أمثال القامات الكبرى وأعلام التلاوة: محمد رفعت، ومحمد سلامة، وعبدالفتاح الشعشاعى، وعلى محمود، وعبدالباسط عبدالصمد، ومحمود على البنا، ومحمد صديق، وحمدى الزامل، وغلوش، ومصطفى إسماعيل وغيرهم، ممن أنجبتهم مصر، بلد دولة التلاوة.
إنها أصوات حاضرة لا تغيب، أصوات رجال أفنوا حياتهم فى خدمة القرآن بتلاوته، فوصلت أصواتهم إلى أرجاء الدنيا، وقد تميزوا بأداء خاص، وشخصية متميزة متفردة، وكما يقولون: الناس صنفان: موتى فى حياتهم، وآخرون ببطن الأرض أحياء، فهؤلاء العظماء من كتيبة القراء الذين شدوا بألحان السماء ماتوا لكنهم أحياء، وهؤلاء -كما يقول الشيخ الشعراوى- هم جنود الحفظ، ومنهم استقبل العلماء ما فسروا، وأخذ الأدباء ما دبجوا به عيون المقالات وفصل الخطاب، وقراء مصر الكبار لم يكونوا مكررين لا أداء ولا صوتاً ولا لحناً، بل لكل واحد منهم نغم خاص يخدم النص.
ولم تكن مصر دولة التلاوة فقط، بل دولة الابتهالات بنور الله وبنور رسوله الكريم، فبرز عدد من القامات الكبرى التى لم يأت الزمان بمثلها، أمثال: نصر الدين طوبار، ومحمد الطوخى، ومحمد عمران، وطه الفشنى، وسيد النقشبندى، والتهامى، والعطوانى، ومحمد الفيومى، ومحمد الهلباوى.
والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت ** إلا وحبك مقرون بأنفاسىولا هممت بشرب الماءِ من عطشٍ** إلا رأيتُ خيالاً منك فى الكاسِفمصر أرض القرآن، والأرض الخصبة للأصوات الذهبية، أرسل الله أبناءها للعالم كله شرقه وغربه، فملأوا الدنيا بهذا الفن العظيم، وطالت أسفارهم شادين بما تحمل أسفارهم من كلام رب العالمين، وهم أصحاب التوهج القرآنى، وأثروا فى المشهد الموسيقى، ومصر بلد وحى الخناجر فى القرآن والابتهالات والمدائح، وظلَّ أعلامها ومشايخها فى المقدمة.
وقد أصاب هذا الفن من الترهل ما لا يناسب دولة التلاوة، وبهذه المناسبة فإن قناة (مصر القرآن) تبذل جهوداً كبيراً فى إحياء التلاوة، لكنها تعانى من جمود وسلبيات، ولذلك كتب الأستاذ محمد الفاتح -وهو باحث مخلص للقناة وفكرتها- بعض المقترحات للقناة، التى منها: الاستعانة ببعض أهل الفن للمساهمة فى اختيار المعروض، والاهتمام بتجديد المادة المعروضة، وإذاعة المصحف المرتل لكل قارئ من الخمسة الكبار بالترتيب، كما تصنع إذاعة القرآن الكريم، لا كما يحدث الآن؛ فالآن جزء تبارك على سبيل المثال نسمعه على القناة بصوت الشيخ مصطفى إسماعيل ولا نسمعه بصوت بقية القراء الكبار، مع ضرورة الاهتمام بالتلاوات النادرة، وتخصيص موعد ثابت لها، على غرار إذاعة القرآن الكريم، حيث تخصص الساعة السابعة صباحاً للشيخ محمد رفعت، وتخصص قرآن السهرة فى الحادية عشرة والربع مساء لتلاوات مختلفة لكبار القراء.
وغير ذلك من ملاحظات مهمة لتطوير القناة، لا سيما أن هذا الأمر له ارتباط وثيق بنفسية المسلم وتوجهاته الفكرية، فلا تتعجب إذا علمت أن معظم الذين يستمعون للقرآن الكريم بصوت قراء مصر وأعلامها الكبار تراهم يرفضون التطرف، وقد تناولنا هذه الجزئية فى غير هذا الموضع.