عبدالمنعم رياض.. عاش «الجنرال الذهبي»
الجنرال الذهبى
فى منزل كبير يتمتع بحسن السمعة بقرية سبرباى إحدى ضواحى مدينة طنطا بالغربية وُلد الطفل الصغير الذى سيصبح ذات يوم رمزاً خالداً للبطولة العسكرية والكبرياء الوطنى. كان جده من أعيان الفيوم، وكان والده قائداً لبلوكات الطلبة بالكلية الحربية وتخرج على يديه الكثيرون من قادة المؤسسة العسكرية. درس فى كُتاب القرية وتدرج فى التعليم حتى حصوله على الثانوية العامة، ثم التحق بكلية الطب بناء على رغبة أسرته، ولكنه بعد عامين من الدراسة فضل الالتحاق بالكلية الحربية التى كان متعلقاً بها.
داخل الكلية الحربية شق طريقه، اجتهد وتعلم وانفتح على ما هو أبعد من العلوم العسكرية، فدرس الاقتصاد والرياضيات البحتة وأجاد الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية، ثم وجد نفسه فى مهمة ثقيلة، هى مهمة رئاسة أركان القوات المسلحة بعد نكسة يونيو.
تصدى للمهمة بكل كفاءة، شارك فى عملية إعادة بناء الجيش المصرى وإدارة حرب الاستنزاف ضد العدو، حتى جاء يوم استشهاده فى التاسع من مارس من عام 1969.
فى ذلك اليوم، كان الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس الأركان آنذاك، يمر على مواقع مدفعية الجيش المصرى بطول الجبهة من بورسعيد إلى السويس عقب أكبر حشد نيرانى مصرى جرى قبل 24 ساعة فقط على حصون العدو.
بوصول «الجنرال الذهبى» إلى الموقع رقم «6» شمال الإسماعيلية، كانت الأقدارُ تخبئ مشهد استشهاده بين جنوده على خطوط الجبهة الأمامية. أطلق العدو وابلاً من طلقات المدفعية استشهد على أثرها، فيما تحولت جنازته فى اليوم التالى وسط القاهرة إلى ملحمة وطنية وسط مشاركة مئات الآلاف يتقدمهم الرئيس جمال عبدالناصر، وعدد من الوفود العربية.
فى كل البيوت، فى كل الشوارع، فى كل المصانع والغيطان ومكاتب العمل، اهتز المصريون جميعاً. كانت الخسارة جسيمة، والحزن يملأ القلوب، والغضب فى الصدور مشتعلاً. أصر عبدالناصر أن يتقدم صفوف الجنازة، وتحدى إجراءات الأمن، أزاح رجال الحراسة، وذاب وسط الجماهير. أحد ضباط الحراسة اقترب منه بصعوبة شديدة، قائلاً: «يا فندم كفاية كده». نهره الرئيس ومضى فى الجنازة حتى نهايتها وسط هتافات المصريين التى تعالت أثناء تشييع الجثمان: «رياض مامتش، والحرب مانتهتش».
مرت أربعون يوماً على رحيل أحد أبرز القادة العسكريين فى العصر الحديث. ظنَّ العدو أنه لن يدفع ثمناً لجريمته، حتى فوجئ بأكبر عملية ثأر فى وضح النهار، وداخل بُرُوجه المُشيَّدة. هدأت الجبهة حتى جاء الرد المصرى صاعقاً عبر عملية اختراق وتدمير موسعة لحصون العدو التى انطلقت منها الطلقات الغادرة، وتحت قصف مدفعى لا ينقطع.
تحول يوم استشهاد عبدالمنعم رياض إلى مناسبة وطنية من كل عام، دالة على التضحية وباعثة على الفداء.
عاش الجنرال الذهبى
وعاش شهداء الوطن الكرام