رئيس الدستورية لـ«الوطن»: محاولات هدم المحكمة بدأت منذ إنشائها فى 1969 لتزامنها مع «مذبحة القضاء»
قال المستشار ماهر البحيرى، رئيس المحكمة الدستورية العليا، إن الاعتداء على المحكمة من قبل سلطات الدولة ليس وليد هذه الأيام، وإنما له تاريخ بدأ بوجود اعتراضات من بعض القضاة على إنشاء المحكمة عام 1969، خاصة أن إنشاءها كان متزامناً مع مذبحة القضاء التى قام بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وأضاف البحيرى لـ«الوطن» أن منتصف التسعينات شهد إحدى حالات الاعتداء على المحكمة الدستورية، حينما تقدم أحد نواب مجلس الشعب بمشروع قانون لتعديل قانون المحكمة الدستورية العليا، بقصد إنهاء دورها بموجبه إسناد نفاذ أحكام المحكمة إلى السلطة التشريعية، وهو ما يعنى أن السلطة التشريعية تصبح صاحبة الكلمة النهائية فى مدى اتفاق النصوص التشريعية مع الدستور أو خروجها عليه بما يجعل وجود المحكمة الدستورية العليا لهواً، على الرغم من أن الدستور اختصها دون غيرها بفرض رقابتها القضائية على الشرعية الدستورية.
وأضاف البحيرى أن المشروع المقدم من عضو البرلمان خول السلطة التشريعية الفصل فى دستورية تشريعاتها بما يمحق دور المحكمة الدستورية العليا ويحيلها إلى إطار شكلى، وتصدت المحكمة لذلك وساندها الرأى العام الذى رفض المشروع وتم سحبه دون إقراره.
ومن بين حالات الاعتداء أيضاً التى يذكرها رئيس المحكمة الدستورية، فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، كانت هناك محاولات لتحويل رقابة المحكمة اللاحقة للقوانين إلى رقابة سابقة، وهو ما تم فى عام 2005 فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، لكنها كانت مقصورة فقط على قانون الانتخابات الرئاسية.
وفى أول برلمان منتخب بعد الثورة، يذكر البحيرى محاولة بعض النواب تعديل قانون المحكمة لإعادة تشكيلها، وإلغاء رقابتها على القوانين التى يوافق عليها مجلس الشعب بأغلبية معينة، ومنح السلطة التشريعية حق وقف تنفيذ أى حكم تصدره المحكمة الدستورية العليا يترتب عليه حل مجلس الشعب، وعزل الأعضاء الحاليين، لكن قضاة المحكمة وقفوا له وأعلنوا فى جمعية عمومية طارئة رفضهم للمشروع وتم سحبه بالفعل.
يضيف البحيرى أن آخر تلك المحاولات كانت من قبل الجمعية التأسيسية للدستور، والتعديلات التى تضمنتها مسودة الدستور بشأن المحكمة الدستورية العليا، وتصدت لها المحكمة بأن أعلنت أن جمعيتها العمومية فى حالة انعقاد دائم لحين رفض تلك التعديلات والاستجابة لمقترحات المحكمة.
وأكد أن المحكمة ليست فى خصومة مع أحد وليست فى مواجهة مع الجمعية التأسيسية ولا تتدخل فى أعمالها، ولا تفرض وصاية عليها، وإنما هى تبدى رأيها وملاحظاتها وانتقاداتها للنصوص الواردة فى المسودة الأولية للدستور المعروضة للحوار المجتمعى مستعملة فى ذلك حقها كأى فرد أو مؤسسة بالدولة.
وأضاف البحيرى أن المحكمة تبدى رأيها وملاحظاتها على الرأى العام ليعلم الجميع ما يدور حول مسودة الدستور من حوارات، مؤكدا أن الجمعية العمومية للمحكمة ستظل فى حالة انعقاد لتتابع ما يدور وما يحدث من تعديلات واستجابات لما تقرره وتقوله الجمعية التأسيسية بالنسبة لنصوصها فى الدستور الجديد قبل أن يصبح مشروعا يُعرض للاستفتاء، ليكون لها فى الوقت المناسب التصرف الملائم لتحقيق مقصدها، لافتاً إلى أن المحكمة بذلك لا تبحث عن مصلحة شخصية لأعضائها وإنما تبحث وتناضل من أجل الحفاظ على بقاء واستقلال المحكمة باعتبارها حامية الحقوق والحريات وصاحبة الحق الوحيد فى الرقابة الدستورية.
وأشار البحيرى إلى أن المحكمة الدستورية العليا لا تتنازل بأى حال من الأحوال عما وصلت إليه من تحقيق استقلالها الكامل، فرئيس المحكمة اليوم وأعضاؤها يعينون من جمعيتها العمومية وحدها وليس قرار رئيس الجمهورية إلا أداة إصدار فقط، أما أن يكون الاختيار والتعيين بقرار من رئيس الجمهورية وبناءً على ترشيحات من هيئات أخرى لا يكون للمحكمة رأى فيها، فهذا أمر غير مقبول وتدخل فى شئون المحكمة واعتداء على استقلالها ورِدة.
وأضاف أن المحكمة تصدت لمحاولات هدمها من خلال أحكامها التى أعلت من شأن حماية الحقوق والحريات فى جميع المجالات، ومن بين هذه الأحكام، عدم دستورية القرار بقانون رقم 72 لسنة 1963 الخاص بتأميم بعض الشركات والمنشآت، عدم دستورية القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 الخاص بالتعويض عن الممتلكات المؤممة، عدم دستورية قانون مباشرة الحقوق السياسية الذى أباح تعيين غير القضاة فى الإشراف على الانتخابات، عدم دستورية قانون الجامعات، عدم دستورية قانون الجمعيات، عدم دستورية قانون الإيجارات، عدم دستورية فرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين فى الخارج، عدم دستورية قانون المحاماة، عدم دستورية قانون التأمين الاجتماعى، عدم دستورية قانون النقابات العمالية، عدم دستورية ما نص عليه قانون العقوبات من معاقبة رئيس التحرير بصفته فاعلاً أصلياً للجرائم التى ترتبك بواسطة صحيفته، عدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات التى تؤثم الاتفاق الجنائى، عدم دستورية قوانين الاشتباه، عدم دستورية اشتراط موافقة مجلس الوزراء لإصدار الصحف، عدم دستورية قانون تنظيم الجامعات فيما تضمنه من قيد زمنى لإجازة مرافقة الزوج، عدم دستورية قانون الأحزاب السياسية بشأن مسئولية رئيس الحزب عما ينشر فى صحيفة الحزب، عدم دستورية وضع حد أقصى للمقابل النقدى لرصيد الإجازات السنوية للعاملين بالدولة، عدم دستورية وضع حد أقصى لزيادة المعاش، عدم دستورية قصر استحقاق المعاش والدخل من العمل على أرملة المحامى دون أرمل المحامية.. ومئات أخرى من الأحكام بعدم دستورية نصوص تشريعية كانت تطبق على المواطنين بالمخالفة الدستورية.