مصر والهند.. لقاء حضارتي «النيل والسند» (ملف خاص)
جانب من قمة مباحثات «مصرية - هندية»
1- «السيسى»: زيارتى تعكس التقارب بين الدولتين و«مودى»: نتطلع لتعزيز الاستثمارات المتبادلة
2- مواصلة العمل لزيادة التبادل التجارى وتعظيم الاستفادة من القدرات والمزايا التصديرية
3- نتطلع لزيادة الاستثمارات الهندية فى مصر خاصة فى «اقتصادية قناة السويس»
4- توافق مصرى هندى على التعاون للقضاءعلى العنف والإرهاب.. وتعزيز التعاون الأمنى
خلال السنوات الماضية، حرصت مصر بشدة على تنويع دوائر علاقاتها الخارجية، إما بالوصول إلى مناطق جديدة، أو إحياء دوائر أهملت لفترات، منها الدائرة الآسيوية، وتحديداً الجنوب شرق آسيوية، وفى مقدمتها الهند، فى ظل المتغيرات الدولية، التى يعيشها العالم، لا سيما أن الخط الحضارى بين ضفاف نهرى النيل والسند دائم ومتصل، وعليهما ازدهرت حضارتان عظيمتان.
قمة مباحثات «مصرية - هندية» فى «حيدر آباد» لتعزيز العلاقات الثنائية
وبنظرة بسيطة يمكن رصد عدة مظاهر للتأثير المتبادل بين الدولتين فى مختلف المجالات، حتى بات لدى الشعبين المصرى والهندى تقارب وجدانى كبير.
ويُجمع خبراء ومراقبون على أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أَولَى فى وقت مبكر اهتماماً كبيراً بتعزيز العلاقات مع الهند، قناعة منه بأنها فى طريقها لأن تكون قوى دولية كبيرة، خصوصاً فى الشق الاقتصادى، ولديها تجربتها التنموية التى يمكن لمصر الاستفادة منها فى كثير من المجالات، خصوصاً أن مصر والهند عاشتا الظروف نفسها تقريباً، ولغة الأرقام تشير إلى تعاون كبير بين البلدين، خصوصاً فى مجال الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر، فى إطار توجّهات الدولة المصرية للتحول إلى مركز عالمى للطاقة.
الرئيس «السيسى» أول زعيم مصرى يشارك فى احتفالات يوم الجمهورية الهندية
واليوم يشارك الرئيس السيسى فى احتفالات يوم الجمهورية الهندية، كأول رئيس مصرى يُدعى لهذه المناسبة، خلال زيارته الممتدة من 24 إلى 26 يناير الحالى، فى تتويج للجهد المتواصل من قِبل القاهرة لتعزيز العلاقات مع نيودلهى، ودعوة تعكس كذلك مكانة مصر لدى القيادة السياسية الهندية، إذ إن ضيف شرف الاحتفال بيوم الجمهورية الهندية من المعروف أنه نوع من التكريم والاحتفاء برئيس أو قائد الدولة المدعو للاحتفال.
وتأخذ العلاقات المصرية الهندية بُعداً مُهماً مُرتبطاً بمسار الأزمة الروسية الأوكرانية، إذ إنه مع اندلاع تلك الأزمة تصاعدت الضغوط على مصر والهند وكثير من الدول من أجل الانحياز لأى من طرفى الأزمة، فى ظل حالة استقطاب شديدة الخطورة يعيشها العالم.
من هنا يُثار الحديث مجدداً عن إحياء أفكار حركة عدم الانحياز التى أسسها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ورئيس الوزراء الهندى الراحل جواهر لال نهرو، ليس كتنظيم، ولكن كمجموعة أفكار لإدارة العلاقات الخارجية، فى ظل حالة الاستقطاب الشديدة، والعمل على حجز مكان فى نظام دولى جديد يتشكل، وهنا نقطة التقاء جديدة بين القاهرة ونيودلهى.
عقد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس، فى قصر حيدر آباد بالعاصمة الهندية «نيودلهى» جلسة مباحثات على مستوى القمة مع ناريندرا مودى رئيس الوزراء الهندى، لبحث تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، أعقبها مؤتمر صحفى مشترك بين الجانبين.
وقال السفير بسام راضى، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، إن رئيس الوزراء الهندى رحب بالرئيس السيسى، خلال جلسة المباحثات المغلقة، ضيفاً عزيزاً على بلاده، معرباً عن تقدير بلاده الكبير للرئيس ولقيادته الحكيمة التى حافظت على الأمن والاستقرار فى مصر عقب ما شهدته المنطقة من أحداث فوضى وعنف خلال ما عرف بالربيع العربى، وكذلك للنهضة التنموية غير المسبوقة التى تشهدها مصر حالياً، وهو ما يجعل الهند قيادة وشعباً تتشرف بزيارته، كضيف شرف رفيع المستوى فى احتفالية الجمهورية الهندية، موضحاً أن تلك المشاركة تضيف طابعاً خاصاً ورونقاً لاحتفالات الهند.
ومن جانبه، عبّر الرئيس السيسى عن امتنانه لرئيس وزراء الهند، على دعوته لزيارة الهند وحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، متوجهاً بالتهنئة بمناسبة احتفالات الهند بعيد «يوم الجمهورية»، معرباً عن التقدير للدعوة التى تلقاها للمشاركة كضيف شرف خلال هذه الاحتفالات، بما يعكس التقارب الكبير والتقدير المتبادل بين الدولتين الصديقتين، خاصةً فى ظل متانة العلاقات التاريخية الممتدة بين مصر والهند ومدى تميزها، مع الإعراب عن اهتمام مصر المتبادل بتطوير تلك العلاقات والارتقاء بها فى كل المجالات، واستمرار التنسيق والتشاور السياسى بين البلدين واستكشاف أوجه التعاون بينهما.
قنوات منتظمة تتيح تبادل الخبرات والمعرفة بين البلدين
أكدت لرئيس الوزراء ضرورة تكوين قنوات منتظمة تتيح تبادل الخبرات والمعرفة فيما يرتبط بالتجارب والمبادرات الناجحة فى كلٍ من البلدين، خاصةً على صعيد تطوير الصناعة المحلية، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير حياة كريمة للمواطنين والارتقاء بمستوى معيشتهم. كما لا يخفى عليكم أن مصر والهند تتشاركان فى البعد الحضارى الذى يضرب بجذوره فى أعماق التاريخ الإنسانى، ولذا فقد اتفقنا على ضرورة تعزيز الروابط والصلات على المستوى الثقافى، من خلال المشاركة المتبادلة فى الفعاليات الثقافية فى كل من البلدين، وعلى أهمية تيسير سبل التواصل بين شعبى البلدين من خلال تكثيف رحلات الطيران بين مصر والهند، لاسيما بين العاصمتين القاهرة ونيودلهى، لتسهيل حركة السياحة البينية، حيث أكّدت لدولة رئيس الوزراء ترحيبنا الكامل فى مصر باستقبال المزيد من السائحين الهنود.
لقد كان التعاون فى مجال الدفاع على جدول أعمال المباحثات، إذ إن تعزيز التعاون فى ذلك المجال خير بُرهان على الإرادة المشتركة لتدشين علاقة استراتيجية بين البلدين؛ وأكدنا مواصلة التنسيق، والتدريبات المشتركة، وتبادل الخبرات، والعمل على استشراف آفاق إضافية لتعميق التعاون فى ذلك المجال؛ بما فى ذلك التصنيع المشترك.
الهند تشيد بدور مصر الإيجابى فى القضايا الإقليمية
شهدت قمة المباحثات بين الرئيس السيسى، ورئيس الوزراء الهندى سبل تعزيز العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة، إذ أشار رئيس الوزراء الهندى إلى تطلع بلاده لتعزيز الاستثمارات المتبادلة فى العديد من القطاعات وتعظيم حجم التبادل التجارى بين البلدين الصديقين من خلال مشاركة الشركات الهندية فى تنفيذ المشروعات القومية العملاقة فى مصر. وتطرقت المباحثات كذلك إلى مختلف تطورات القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وأشاد رئيس الوزراء الهندى فى هذا الصدد بالدور الإيجابى الذى تقوم به مصر فى إطار العمل على التسوية السياسية لمجمل الأزمات القائمة فى محيطها الإقليمى، فضلاً عن جهودها فى مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف وإرساء مبادئ وقيم قبول الآخر وحرية الاختيار والتسامح.
وعقب اللقاء؛ شارك الزعيمان فى مراسم تبادل عدد من مذكرات التفاهم والتعاون بين البلدين الصديقين فى مجالات تكنولوجيا المعلومات، والأمن السيبرانى، والشباب والرياضة، والإذاعة، والثقافة.
أهم القضايا الإقليمية على مائدة الحوار
دار نقاشٌ معمّق ومثمرٌ بينى وبين دولة رئيس الوزراء حول أهم القضايا ذات الاهتمام المشترك على المستويين الإقليمى والدولى؛ وفى مقدمتها الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على الدول النامية بشكل خاص، وتطابقت تقديراتُنا حول أنّ تَوالِى الأزمات ذات الأثر الدولى قد بَرْهن من جديد على القيمة الكبيرة للعمل المشترك بين الدول الصديقة لتعزيز قدراتها على مجابهة التحديات الناجمة عن تلك الأزمات.
وتناولنا أيضاً السبل المُثلى لمكافحة الإرهاب والتصدى للفكر المتطرف؛ إذ إن لدينا وجهة نظر مشتركة فى هذا الصدد، وهى أنّ التعاون معاً سوف يُعِينُ على القضاء على العنف، لأنّ انتشار العنف والإرهاب والفكر المتطرف يمثل تهديداً حقيقياً؛ ليس فقط لبلدينا، ولكن لكافة الدول فى جميع أنحاء العالم.
وفى هذا السياق، فقد اتفقنا على أهمية تعزيز التعاون فى المجال الأمنى وإعطاء قوة دفع لمزيد من التنسيق فى ذلك المجال الحيوى، فلا تنمية بدون استقرار أمنى.
ضرورة تمويل الدول النامية لمواجهة تغيرات المناخ
استعرضت مع دولة رئيس الوزراء ما أسفرت عنه القمة العالمية للمناخ COP27 بشرم الشيخ من نتائج مهمة، خاصةً ما يتعلق بإنشاء صندوق لتمويل الخسائر والأضرار المترتبة على التغيرات المناخية، لاسيما فى الدول النامية التى تعانى فيها البنى التحتية من الضعف وعدم القدرة على الصمود أمام آثار التغيرات المناخية.
وتقدّمت بالشكر لدولة رئيس الوزراء على دعوة مصر للمشاركة فى أعمال مجموعة العشرين تحت الرئاسة الهندية لعام 2023، وأكّدت له أنّ مصر لن تدخر جهداً من أجل دفع المحادثات فى الاتجاه البنّاء، سعياً لتحقيق تطلعات دول الجنوب، وبما يتيح التوصل لطُرُق فعالة لمواجهة أزمات الطاقة، وتغير المناخ، ونقص الغذاء، وشح التمويل من أجل التنمية، وتراكم الديون المستحقة على الدول النامية؛ فتلك قضايا نضعها على رأس أولوياتنا سعياً لإعادة الاستقرار والتوازن إلى البيئة الاقتصادية الدولية.
فرص وحوافز ومزايا للاستثمار فى مصر
استعرضنا خلال المباحثات ما وصلت إليه العلاقات بين البلدين فى المجالين التجارى والاستثمارى، حيث أكدنا مواصلة العمل لزيادة حجم التبادل التجارى، وتعظيم الاستفادة المشتركة من القدرات والمزايا الإنتاجية والتصديرية للبلدين كى نستجيب للأولويات الاقتصادية والاجتماعية للشعبين المصرى والهندى.
وأوضحتُ لدولة رئيس الوزراء الفرص والحوافز والمزايا الاستثمارية المتاحة فى مصر، والإجراءات التى تتّخذها الحكومة لتحفيز الاستثمار الخارجى، وأعربتُ له عن تطلعنا إلى زيادة الاستثمارات الهندية فى مصر فى مختلف المجالات، لاسيما فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، خاصةً بعد ما لمسناه من عزم لدى الشركات الهندية العاملة فى مصر على مواصلة تعزيز وجودها، وما أبدته شركات هندية متخصصة فى مجالات واعدة من اهتمام بضخ استثماراتها فى مصر. واتفقت رؤانا على تعظيم التعاون القائم فى المجالات المختلفة، والانطلاق نحو شراكات فى مجالات جديدة، ومن بينها التعاون فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، خاصةً إنتاج الهيدروجين الأخضر. واتفقنا أيضاً على تعزيز التعاون الاستراتيجى بيننا فى عدة مجالات أخرى، وعلى رأسها الزراعة، والتعليم العالى، وصناعات الكيماويات والأسمدة والأدوية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والأمن السيبرانى.
علاقات أخوية ممتدة وحافلة
إنّه من دواعى السرور أن تأتى زيارتى إلى جمهورية الهند، تلبيةً للدعوة الكريمة التى تلقيتها من رئيس الوزراء، للمشاركة فى الاحتفال بذكرى «يوم الجمهورية»، ذلك اليوم الذى بدأ فيه العمل بدستور جمهورية الهند عام 1950 ليدشِّنَ بلدُكم الكبير حلقةً جديدة من تاريخه العظيم.
أوجه الشكر لرئيس الوزراء على تلك المبادرة المقدرة، وعلى كرم الضيافة، وحسن الاستقبال، الذى يعبر بصدق عن العلاقات الأخوية الممتدة والحافلة بين بلدينا وشعبينا، حيث نحتفل هذا العام بمرور 75 عاماً على تدشينها.
ونرحب فى هذا الإطار بتعظيم التعاون مع الجانب الهندى فى مختلف المجالات فى ضوء ما تملكه الدولتان من إمكانات كبيرة تتيح فرصاً متنوعة واعدة للتعاون، خاصةً على مستوى التعاون العسكرى والاقتصادى والتجارى والسياحى والثقافى، إلى جانب التعاون فى قطاعى الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وإنتاج الأدوية والأمصال.
عقد اللجنة المشتركة بين البلدين فى أقرب وقت
شهدت مباحثاتنا نقاشاً مفعماً بالإرادة المشتركة للارتقاء بالعلاقات بين مصر والهند إلى المستوى الاستراتيجى، واتفقنا خلال الحوار مع دولة رئيس الوزراء على ضرورة عقد اللجنة المشتركة بين البلدين فى أقرب وقت، ووضع الآليات التنفيذية لخطط التعاون المشترك بين البلدين».
وما زلت أذكر أول لقاء جمعنى برئيس الوزراء الهندى على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك عام 2015، فقد خرجت من ذلك اللقاء باقتناع بأن جمهورية الهند ستعرف تحت قيادته طفرةً فى التحديث والنمو، كما تولّد عندى منذ ذلك اللقاء الأول تفاؤل كبير إزاء مستقبل العلاقات بين بلدينا، وهو التفاؤل الذى يتأكد لدىّ مع كل خطوة نمضيها معاً على طريق تطوير العلاقات المصرية الهندية.
ولا يسعنى فى الختام إلا أن أعبّر عن تطلعى لاستقبال دولة السيد رئيس الوزراء فى زيارة قادمة له إلى القاهرة فى أقرب فرصة ممكنة، لاستكمال محادثاتنا البناءة، والتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات بين مصر والهند تقوم على الشراكة الاستراتيجية.