وليد طوغان يكتب: مصر قدها وقدود
وليد طوغان رئيس تحرير مجلة «صباح الخير»
أزمة وهتعدي.. يا ما دقت على راس المصريين طبول.
مرت على الدولة المصرية الكثير، مرت محاولات هدم الدولة نفسه.. مرت محاولات القتل في الشوارع، والدفع بالبلاد إلى حرب أهلية.
مرت أيام كان حرق المباني عادي، وإشعال النار في مؤسسات الدولة فعل معتاد نراه في الشارع كل يوم.
مرت أيام اختفى فيها البنزين والسولار.. والكهرباء.. وهددتنا انخفاض الاحتياطي النقدي.. وقاربت الدولة في ذلك الوقت، في أيام لا يرجعها ربنا ولن يرجعها ، على الهاوية.
مر على المصريين الكثير، لكن مصر عدت، وخطت، وطلعت بعدما كانت بعد 2011 في النازل إلى أسفل السافلين.
(1)
الأزمة عالمية.. والأزمات استثناء.. وحذار من محاولات بعضهم الإيهام والإشاعة بأن الأزمة مصرية.. ومصرية فقط.
هذا ليس صحيحًا، ولا منطقي العالم كله يعاني، والاقتصاديات الكبرى تعاني، مثال تعامل البنك المركزي الأمريكي نموذج، ليس الفيدرالي الأمريكي وحده، إنما تعامل كل البنوك المركزية حول العالم أكبر إشارة إلى ما يواجهه العالم من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعياتها، وآثارها السلبية.
العالم يعاني، ليست مصر وحدها.. والانسياق وراء من يحاول تصدير إشارات بغير ذلك بيننا.. هو الخطير.
تصديق أنَّ الأزمة مصرية فقط لا يمكن أن يخلوا من نوايا غير خالصة.. هي محاولات لإيهام بغير الحقيقي.. وهي أيضًا محاولات للوصول بالمصريين إلى روح يائسة ، وفقدان أمل.. فقدان الأمل يليه فقدان القدرة على العمل.. وفقدان القدرة على العمل معناه عدم التعامل مع الأزمات.. بما تقتضيه أوقات الازمات.
سبق وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي أكثر من مرة أنَّه لا داع للخوف، صحيح.. لا داع للخوف، لأن داع الخوف الوحيد لو كانت الدولة ساكتة . الخوف لو الدولة لا تعمل في كل الاتجاهات.
لكن الدولة المصرية قادرة وتعمل وتسير في اتجاهات التعامل الإيجابية، الأهم أن الدولة المصرية تصارح وتكاشف، ورئيس الدولة لا يتوقف عن رسائله للمصريين، بالاطمئنان على قدرة الدولة على التخطي.
السؤال المهم: هل هذه الأزمة الاقتصادية أول أزمة من نوعها تمر على المواطن المصري؟
الإجابة: طبعا لا، وطالما تخطى المواطن أزمات أكبر، وصعوبات أشد، الحل في المواجهة والعمل والايمان بالدولة، أهم من العمل على حل الأزمة، هو الايمان بالدولة واستقرارها وقدراتها.
لابد من دعم الأمل، لا إشاعة التشاؤم، لاحظ أنَّ الذين يشيعون التشاؤم هم من لهم ثار مع الدولة المصرية، ومع المواطن المصري ومع الاستقرار.
(2)
الحلول مع الازمات نوعين، نوع إجرائي.. ونوع نفسي، هناك من يلعب على الأمان النفسي لدى المواطن المصري بتشكيكه وإيهامه وتيئيسه.
الغرض محاولة الوصول بالمواطن إلى فكرة «انعدام الحلول»، وهي فكرة وهمية ثعبانية.. سرطانية.
لو انطلق المواطن في تفكيره من أنَّه لا حلول تجرى على الأرض على قدم وساق في دولة كبيرة مدركة وواعية لما تجابهه لانعدمت ثقة المواطن وانعدم أمله.
التشاؤم يؤدى الى ارتباك في التفكير.. واسترابة في الحلول.
من قال إنه لا حلول؟ من قال إن الإجراءات التي اتخذتها الدولة، وتتخذها، وتراقبها ساعة بعد ساعة، وتدعمها وتطورها حسب الظروف غائبة؟
بالعكس.. الدولة المصرية قادرة على امتصاص الأزمة العالمية أكثر من دولا كثيرة أخرى حول العالم.
ارتفاع الأسعار ظاهرة عالمية، وارتفاع نسب التضخم ظاهرة كوكبية منذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية، لكن في المقابل ساهمت إجراءات الدولة المصرية في التخفيف من آثار وانعكاسات تلك الارتفاعات بما اتخذته من إجراءات.
عين الدولة على المواطن الأكثر احتياجًا والمواطن البسيط، عين الدولة على حفظ الأرصدة الاستراتيجية من السلع الأساسية، عين الدولة على التعامل بنظريات الاقتصاد المعتادة في تلك الازمات العالمية.
رفع الفوائد على الايداعات البنكية واحد من إجراءات شديدة الأهمية لخفض نسب التضخم، وبالتالي خفض الأسعار.
ضربت الدولة السوق السوداء للعملة الصعبة، او تعاملت معه بإجراءات في الطريق للقضاء عليه، تعاملت الدولة بحزم مع مضاربات بعضهم، ومع استغلال البعض الآخر للأزمة، سواء بتخزين السلع او اخفاءها أو رفع أسعارها.
الاقتصاد القوي ليس معناه أنه لا يواجه أزمات، إنما الاقتصاد القوي هو القادر على امتصاص الأزمات والتعامل معها.
لا يمكن أن ينكر أحد أن قرار الدولة في البدء بإجراءات شديدة الشجاعة بإصلاحات اقتصادية هيكلية منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي المسؤولية هو الذي أدى إلى أن تمر علينا الأزمة العالمية هذه بأقل التداعيات.
لو كان الاقتصاد المصري، كما كان قبل 2014 لما استطعنا مواجهة الأزمة الحالية.
لو كان المصري كما كان قبل 2014، لما توفرت السلع في الأسواق من الأساس، ولما وجد المواطن البسيط الزيت والسكر.. ولا وجد قوت يومه.
هذا كلام حقيقي وليست مبالغات.
(3)
اقتصاديات كبرى أخرى حول العالم يعاني فيها المواطن أشد المعاناة، في ألمانيا تظاهر المواطنون لاختفاء الزيوت من السوبر ماركت، بريطانيا تواجه أزمة في الخبز.. إذا لم يكن في ارتفاع أسعاره الشديد، ففي وجوده كثير من الأحيان.
خذ الأخطر: في الشتاء الجاري، يواجه المواطن فلا دول شمال أوروبا خطر الموت من اضطرابات في إمدادات غاز التدفئة، والارتفاع غير الممكن تحمله أو التعاطي معه في أسعار الكهرباء.
بالحرف.. أكثر من 45% من الأوروبيين يواجهون خطر التجمد هذا الشتاء نتيجة اضطرابات إمدادات الغاز، والوقود والارتفاعات الخرافية في أسعار الكهرباء.
في مصر مازال حتى كتابة هذه السطور أكثر من 84% من المواطنين يتلقون دعما للكهرباء.
في مصر مازال أكثر من 78 مليون مواطن يتلقون دعمًا تموينيًا، ودعمًا سلعيًا، ودعم لأساسيات مستلزماتهم المعيشية.
هذه أمثلة.. غير أمثلة أخرى، على رأسها استمرار الدولة في مشروعاتها القومية، لتحسين جودة الحياة، ودعم الأسرة، ودعم الصحة، وتغيير شكل التعليم إلى الأفضل بالمليارات.
هذه أمثلة.. غير أمثلة أخرى، من إجراءات تدعم الاستقرار، وتدعم جذب الاستثمارات، وتدعم توفير فرص العمل.
عام 2014 كان معدل البطالة قد اقترب من 15%، اليوم لا يتعدى معدل البطالة الـ7.
هذه دولة تعمل وتسارع الزمن.. هذه دولة تدرك أن المستقبل لابد أن يكون أفضل.
ثمار جهد هذه الدولة ظهرت آثاره وثماره. لا تدع من يريد أن يعيدك إلى الخلف، ولا تماشي من يمارس ثأر التشكيك.. ويسعى لأن يتخذ من الكلام الفارغ سلاحًا لتهديد أمن الشارع.. وأمانه وثقته.
الأزمات مواسم الشائعات.. الأزمات مواسم الكلام الفارغ، ومحاولات الاصطياد في الماء العكر.
استعاد المصريين دولتهم في 2014 من إرهاب وذقون وجلابيب بيضاء أمسكوا السواطير في الشارع، وفخخوا محطات الاتوبيس بقنابل صناعة محلية، وحاولوا تحويل سيناء الى بؤرة إرهاب من أخطر الأنواع.
هزمت مصر الدولة كل المحاولات، منعت اختطاف الدولة، كما منعت اختطاف المواطن.
تفوقت الدولة على مخطط كوني لإشاعة الفوضى، واختطاف الدولة، واختطاف الأرض، وبيع البلد في المزاد العلني بثقة المواطن وإيمان جيشها ومساندته لشعبه.
دعك من محاولات التشكيك.. وحذار من محاولات فت عضد الشارع.. ونزع ثقة المواطن في دولته وبلاده.. والرموز الوطنية من أبناء هذا الشعب.
أزمة وهتعدي.. وياما دقت على الراس طبول، وحذار من أفعوانات وتجار أزمات.. سبق واكتشفنا أنهم تجار أوطان.. وتجار كلام.. ساروا بالبلاد بعد 2011 إلى الطريق لستين داهية.. لا يمارسون إلا إطلاق الشعارات.. والكلام الفارغ.
مقال الكاتب الصحفي وليد طوغان رئيس تحرير مجلة «صباح الخير» المنشور في العدد الجديد من المجلة.