تسلم أيادي «الصنايعية».. منتجاتنا التراثية وصلت «العالمية» (ملف خاص)
الصناعات التراثية
بعد غياب لسنوات كاد ينذر بالاندثار، أعادت الدولة، بمبادرة من الرئيس عبدالفتاح السيسى ومبادرات حكومية أخرى، إحياء الصناعات التراثية والحرفية واليدوية، وعكفت على تطويرها لتصبح مرآة للهوية الوطنية لمصر بأبعادها الفنية المستمدة من الحضارات والعصور المختلفة التى مرت بها مصر؛ إسلامية ومسيحية وأفريقية، الضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ.
الصُناع المهرة وأرباب الحرف والموهوبون فى الصناعات اليدوية من كل محافظات مصر، كانوا هم المستهدفين بتلك المبادرات وأبرزها «صنايعية مصر» و«تتلف فى حرير».
وخلال سنوات عمل تلك المبادرات القليلة منحت الدولة اهتماماً زائداً بالصناعات التراثية، بدعم وتأهيل العاملين بها، وتمويل مشروعاتهم ووضع نظام ضريبى ميسر لها، أما الفائدة الكبرى التى حصلوا عليها فهى فتح نوافذ عديدة لتسويق منتجاتهم بالداخل والخارج، عن طريق المشاركة فى مناقصات حكومية والعرض فى سلاسل تجارية والمعارض المخصصة للمنتجات التراثية داخل مصر وخارجها، وهو ما يسهم بشكل كبير فى تعزيز القوة الناعمة لمصر وحماية الهوية الوطنية ونشرها فى العديد من دول العالم التى تُنظم بها تلك المعارض، فضلاً عن مساهمة تلك الصناعات فى زيادة الصادرات المصرية، وتحقيق حلم 100 مليار دولار صادرات مصرية للخارج.
صناعات ومنتجات أبهرت العالم، صنعتها أنامل مصرية، كانت خير شاهد على الحضارة المصرية بتنوعها الفريد، اكتسبت قيمة مضافة بمساهمتها فى تعزيز موارد النقد الأجنبى للبلاد، وأمام الجهد المبذول فى مبادرات وحزم تمويل ودعم صُناع المنتجات التراثية.
تقف «الوطن» فى هذا الملف على قصص نجاح فنانين وصُناع مصريين وصلت منتجاتهم إلى العالمية، واستطلعنا رأى خبراء اقتصاد ومسئولين فى سبل تحقيق الاستدامة للدعم المقدم لأصحاب الحرف التراثية، إذ دعا بعض الخبراء إلى اعتبار «دعم الحرف التراثية» مشروعاً قومياً يمتلك كل مقومات النجاح.
معارض «الصناعات الحرفية» بالخارج.. نافذة لتعزيز الصادرات وحماية الهوية
على مدار الفترة الماضية كثفت الحكومة ممثلة فى جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة تحركاتها للتركيز على مساندة المشروعات الصغيرة عبر بوابة المعارض.
وشهدت الأيام القليلة الماضية إقامة العديد من المعارض الخارجية للصناعات الحرفية المصرية، فى إطار تعزيز وجود صغار المنتجين فى الأسواق الخارجية، وبحسب الجهاز التنفيذى لتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، فإن الجهاز قام خلال الفترة الأخيرة، بالعمل على تنفيذ توجيهات القيادة السياسية بفتح الأسواق العالمية للمنتجات المصرية الفريدة ودعم أصحاب المشروعات التراثية فى تسويق منتجاتهم والتوسع فى اشتراكهم بمعارض خارجية دولية.
وأكدت أن المشاركة فى هذه المعارض لها عدة أهداف أهمها إكساب أصحاب المشروعات خبرات جديدة تساعدهم على تطوير منتجاتهم للعمل على تلبية أذواق المستهلكين فى مختلف الأسواق المحلية والعالمية، فضلاً عن فتح آفاق جديدة أمام المنتج المصرى عبر تعزيز المنافسة التى تسهم فى التطوير والتوسع لتلك المشروعات.
ووفق الجهاز التنفيذى لتنمية المشروعات فإن الجهاز ساهم فى الفترة الأخيرة فى دعم المشروعات الصغيرة للمشاركة فى العديد من المعارض، والتى كان آخرها على سبيل المثال معرض الحرف والمنتجات الفنية الذى أقيم فى باريس خلال الفترة من 25 وحتى 27 نوفمبر الماضى، وأكدت أن مصر شاركت بعدد من المنتجات التراثية العريقة التى تميز بها الفنانون المصريون، وذلك بهدف الترويج للحرف اليدوية والتراثية المصرية بالأسواق الأوروبية.
ويعد معرض باريس من أكبر المعارض المتخصصة فى مجال المنتجات اليدوية والتراثية لدول العالم، والهدف من المشاركة فيه هو فتح أسواق جديدة لأصحاب مشروعات الحرف اليدوية والتراثية، والعمل على زيادة الصادرات من هذا القطاع إلى السوقين الفرنسية والأوروبية.
ولم تقتصر مشاركة جهاز تنمية المشروعات فى المعارض الخارجية على المعرض الفرنسى فحسب، ففى أبريل الماضى، شارك فى معرض راند شو الدولى بمدينة جوهانسبرج فى دولة جنوب أفريقيا، حيث نظمت هيئة المعارض جناحاً مصرياً شارك فيه العديد من أصحاب المشروعات الصغيرة، على مختلف منتجاتهم ومنها مستحضرات التجميل والمنتجات الجلدية والسجاد اليدوى وبعض المنتجات التراثية مثل الإكسسوار والملابس الجاهزة.
«تنمية المشروعات»: شاركنا فى معارض بباريس والجزائر والمغرب
على المستوى العربى كانت تحركات جهاز المشروعات لا تقل أهمية، حيث أتاح مشاركة لأصحاب المشروعات التراثية من عملاء الجهاز فى فعاليات النسخة 23 للصالون الدولى للصناعة التقليدية، الذى أقيم بالجزائر خلال الفترة من 24 نوفمبر وحتى 2 ديسمبر الماضى.
وجاءت المشاركة فى المعرض الجزائرى تفعيلاً لما تم الاتفاق عليه خلال زيارة نيفين جامع لدولة الجزائر واجتماعها مع ياسين حمادى وزير السياحة والصناعة التقليدية الجزائرى والاتفاق على تعزيز أوجه التنسيق والتعاون بين الجانبين وتبادل الخبرات، خاصة فيما يتعلق بدعم الحرف اليدوية والتراثية وزيادة قدراتها التنافسية ودعم أصحاب المشروعات التراثية فى مصر والجزائر وإتاحة فرص لمشاركتهم فى المعارض الكبرى التى تقام فى الدولتين الشقيقتين.
ويعتبر الصالون الدولى للصناعة التقليدية (SIAT) من أكبر المعارض الدولية فى هذا المجال ويشهد سنوياً مشاركة العديد من الدول العربية والأفريقية والأوروبية مما يعطى الفرصة للمشاركين للتعرف على ثقافات ومنتجات الدول المشاركة وعقد صفقات تبادلية وتكاملية.
وفى المغرب كانت توجه الصناعات الحرفية واضحاً، إذ تسعى غرفة الحرف اليدوية باتحاد الصناعات لإبرام اتفاق مع غرفة الصناعات التقليدية بالدار البيضاء بالمغرب لإقامة عدد من المعارض المشتركة بين البلدين، على أن يتم عقد تلك المعارض فى الربع الأول من 2023، وقامت الغرفة بتوقيع مذكره تفاهم مشتركة بين الطرفين خلال الفترة المقبلة.
«الثقافة» تدرس إنشاء خطوط إنتاج تمزج «الحديث» بـ«التراثي»
ومن جانب آخر، تسعى وزارة الثقافة من خلال مركز الحرف بالفسطاط إلى التوسع فى مبادرة «صنايعية مصر» التى تستهدف تدريب الشباب على الحرف التراثية، وجرى فتح باب التقدم للدفعة الرابعة بها، بعد تخريج 3 دفعات وعرض أعمال المشاركين فيها بمعرضى «ديارنا وتراثنا».
وبحثت الدكتورة نيفين الكيلانى فى آخر زيارة لها للمركز قبل أيام متطلبات العمل بالورش التى تضم «الخزف، النحاس، الخيامية، الزجاج المعشق، الحُلى» وتفقدت المرحلة الرابعة من الإنشاءات الخاصة بالمركز التى تضم الورش، والمعارض، والمراسم، ومنطقة لتقديم الفعاليات الفنية بما يتناسب مع طبيعة المركز وأنشطته.
ووجّهت الكيلانى بضرورة عمل دراسة لإنشاء خطوط إنتاج خاصة بالمركز تمزج بين ما هو تراثى وما هو حديث، ويمكن من خلالها تسويق الأعمال بما يدر مزيداً من الدخل فى إطار خطة استثمار منتجات الوزارة، كما وجهت بالاهتمام بتطوير منافذ بيع منتجات المركز وزيادة عددها، بما يتماشى مع ما تشهده منطقة الفسطاط من تطوير لتصبح منطقة جاذبة للسياحة بما تضمه من مزارات فى مقدمتها مجمع الأديان ومتحف الحضارة.
وأضافت أن الحرف اليدوية إحدى الصناعات الإبداعية التى تمثل مصدراً مهماً من مصادر الدخل، كما أنها ركن مهم من أركان الهوية المصرية التى يجب الحفاظ عليها وتنميتها. فيما تعد مراكز الحرف بالفسطاط أحد المشروعات الكبرى التى أنشأتها وزارة الثقافة وتهدف إلى إتاحة الفرصة أمام الفنانين والحرفيين لممارسة إبداعاتهم وتأكيد القيمة الفنية، قادرين على استيعاب واستلهام روح الماضى وإبداع منتجات مستوحاة من التراث ولديهم المقدرة على ابتكار وتصميم وتنفيذ الوحدات والزخارف الإسلامية.