من أكبر آفات العرض التاريخي للأحداث والشخصيات اقحام الانطباعات والآراء الخاصة على موضوعية الطرح.. بل تبلغ خطورتها الى المس باستقرار دول اعتمادا على عدم المام الرأي العام بحقيقة الأطراف التي تمتهن تزييف صورتها الماضية والحاضرة وتعيد صياغة تاريخها الأسود عبر دس الاكاذيب للوصول الى اطماعها. أقرب الأمثلة الى الاذهان حجم الكذب والتزوير الذي ارتكبته الجماعة الاخوان المنحلة لاستغلال عدم وضوح الرؤية بين شريحة من الشارع المصري في محاولتها سرقة الوطن الذي لا يعترف به الاخوان أصلا ولا بالانتماء له! التغطية على وثائق تدلل على دموية "جماعتهم" بالتأكيد القت ظلالها المسمومة حتى تم الكشف عنها بالدلائل في عدة وثائقيات واعمال درامية. لم يقتصر الحال على مصر.. فقد طبقت نفس سيناريوهات الخداع في تونس والمغرب حتى، لكن استفاقة الشعوب اقصتهم وتوالت هزائمهم، بينما مازالت التنظيمات والمتشبثين بميليشياتها تفرض حالة الاختناق السياسي في ليبيا.دور هذا الخداع والتزييف هو ابلغ رد على الأسئلة المطروحة حول أهمية انطلاق قناة الوثائقية، اذ تستدعي ابسط قواعد التقييم الموضوعي لاي حدث او شخصية عامة وجود توثيق بالصوت والصورة، في إطار حقيقة ارتباط التاريخ بالحاضر. قيمة التوثيق سواء عبر الفيديوهات او شهادات المعاصرين للحدث، انه يعرض الحقائق من مختلف الأزمنة كي يضع المشاهد امام صورة مجردة بكل تفاصيلها تاركا الاستنتاج النهائي للمشاهد. خطورة فصل الأجيال - تحديدا الشابة وهي الشريحة المجتمعية الأعلى في العدد – عن التوعية بماضي وحاضر الاحداث المؤثرة في بلدهم والشخصيات التي لعبت دورا فيها وتركهم عرضة لاستهداف مغالطات غير المختصين او محترفي بعث رسائل سامة عبر تزييف الفيديوهات بكل وسائل التكنولوجيا المستحدثة تدعي خلالها حقوق او تميز لعناصر جماعاتها عن عموم البشر.اذكر واقعة للرد على بعض الآراء التي تقلل من شأن توثيق الحقائق حدثت مع المبدع وحيد حامد اثناء تناولنا القهوة ذات صباح في الفندق الذي اختاره مقرا للقاء محبيه. كان يبدع صياغة الجزء الأول من مسلسل الجماعة.. في سياق الحديث كشف انه لم يلجأ الى مرجع واحد سطره من لهم موقف معادي للجماعة، على العكس كل مراجعه عن تاريخ الجماعة اعتمدت على ما كتبه أعضائها وقادتها! لكي يخفف دهشتي دعاني للذهاب الى غرفة مكتظة بالكتب سردها اقطاب الجماعة عن تاريخهم الأسود. وحيد حامد ضرب بهذه الخطوة عصفورين بحجر، الأول انه كشف الوجه القبيح لهذا التنظيم الإرهابي بالمادة التاريخية التي سردوها هم عن اجرامهم. الثاني ان أحد لم يجرؤ على التفنيد او الرد على جزئي المسلسل باي دليل او وثيقة مضادة. هذه المصداقية اكسبت العمل الوهج الخاص والاجماع الجماهيري الذي حظيت به دراما "الجماعة" والجمت السنة الكذب عن الرد. المثال الأقرب لدور الفيديوهات الوثائقية في دعم مصداقية العمل ظهرت في استخدام بارع للقطات الواقعية التي مزجت ضمن الأجزاء الثلاثة من مسلسل "الاختيار", تحديدا الجزء الثالث في اعترافات قادة الجماعة على أنفسهم وكل التهديدات بإراقة الدماء حال عدم وصولهم للسلطة او في مواجهة أي محاولة لنزع فتيل العنف والحروب التي كادوا يشعلوها.لا تقتصر أهمية قناة الوثائقية على هذا الشق.. اذ مازالت قيمة اعمالها تتوالى بعدما نجحت في الغوص الى عمق عدة مواضيع بالصوت والصورة داخل عوالم مختلفة مثل المسرح، الاعلام، ومشاريع الإنجازات الحديثة لتعريف المشاهد المصري والعربي بالشق المضيء لماضي و مستقبل مصر, كما يمثل اطلاق القناة خطوة دعم لصناع الأفلام الوثائقية والتسجيلية بعدما توارت عن الاهتمام, وتشجيع صناعها على انتاج هذه النوعية من الاعمال بالإضافة الى استحداث خط لوحدة الأفلام الوثائقية يختص يترميم الوثائق والأفلام التسجيلية الهامة ضمانا لحفظ التراث.تاريخ الابداع المصري حافل بأجيال من الرواد في هذا المجال, واجيال جديدة مبشرة في انتظار فرصة تقديم ابداعهم.. بالتالي لم يكن مقبولا ان تظل هذه الطاقات الإبداعية دون نافذة توفر لها اطلالة مشرقة على الاعلام المصري والعربي خصوصا مع الاهتمام العالمي في تخصيص مثل هذه القنوات التي يعتبر العديد منها الأعلى في نسب المشاهدة