د. أحمد سلطان يكتب: الأزمة الروسية الأوكرانية توقظ مشروعات الطاقة البديلة
د. أحمد سلطان
تُشكّل الأزمة الروسية-الأوكرانية لهيب النار، الذي أيقظ مشروعات الطاقة البديلة وعلى الأخص صناعة الهيدروجين الأخضر.
فدفعت الأزمة إلى المطالبة بضخ الاستثمارات في صناعة الهيدروجين الأخضر، وذلك لأن أزمة الطاقة العالمية -والتي كانت من أهم تداعيات الأزمة- أدت إلى تسريع وتيرة مشروعات الطاقة الخضراء؛ بالإضافة إلى تزايد الحديث عن بلوغ العصر النفطي لحظة ذروته.
وفي الوقت الذي تُمثل فيه تلك المصادر التقليدية «الوقود الأحفوري» أهم ثروات الدول المنتجة للنفط الخام على مدى عقودٍ طويلة؛ بدأت ثورة طاقوية جديدة تُلقي بظلالها على صناعة الطاقة العالمية، وخاصة الهيدروجين الأخضر حيث يُعد غاز الهيدروجين النظيف واحدًا من عناوين المرحلة الراهنة؛ فبدأت دول العالم تطوير مشروعات تمهد لهذا الانتقال الاقتصادي-الطاقوي.
وعلى الرغم من الفرص الهائلة التي يوفرها هذا النوع من الطاقة أمام الدول المستهلكة للنفط، فإنّ الدول الكبرى المنتجة للنفط ومنها المملكة العربية السعودية تُقبل عليه بقوة، باعتباره بديلًا ملائمًا عن صادرات النفط وبالأخص في حال تراجع الطلب على النفط الخام ومشتقاته، إضافة إلى حجم الاستثمارات الضخمة التي تتطلبها صناعة النفط بوجه عام.
وبشكلٍ عام، يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال عملية التحليل الكهربائي لجزيئات الماء، إذ يؤدي إلى تفكيكها وفصل ذرات الهيدروجين عن ذرات الأوكسجين.
وتؤدي عملية التحليل الكهربائي للماء إلى الحصول على كل من الديوكسيجين «O2» وثنائي الهيدروجين «H2»، كما تسمح تلك العملية بإنتاج الأوكسجين؛ إذ يؤدي إنتاج كيلوجرام واحد من الهيدروجين إلى إنتاج نحو 8 كيلوجرامات من الأوكسجين.
ويمكن الاستفادة من الأوكسجين لأغراضٍ مختلفة، من خلال توجيهه للأسواق المحلية أو تصديره للأسواق العالمية، حيث تكمن الميزة الأساسية للهيدروجين الأخضر في كونه يوفر القدرة على توليد طاقة كبيرة وذلك مع انعدامٍ تام للانبعاثات الضارة.
هذا فضلاً عن أنّ الهيدروجين الأخضر عبارة عن مادة كيميائية قابلة للانفجار، أي أنه مصدر مهم للطاقة ويمكن للهيدروجين الأخضر حل العديد من المشاكل والتي تواجه نمو الطاقات المتجددة؛ فعلى سبيل المثال، إذ يعتبر إنتاجه بواسطة طاقتيّ الشمس والرياح نوعًا من التخزين، حيث يمكن تحويل الطاقة الناتجة عن استغلال أشعة الشمس أو الرياح إلى طاقة هيدروجينية من الممكن الاستفادة منها فى صورٍ عديدة وذلك مع ضمان خلو مسار إنتاج الطاقة هذا من أي انبعاثات غازية تضر بالبيئة أو الأنسان.
وبالرغم من أن الطلب على الهيدروجين الأخضر بات أوروبيًا بالأساس فى ظل أزمة الطاقة المتفاقمة والمتعلقة بالغاز الطبيعي بسبب تداعيات الأزمة الروسية-الأوكرانية، حيث تهدف دول الاتحاد الأوروبي إلى الاعتماد على الهيدروجين بنسبة تتراوح بين نحو 10 إلى 15% ضمن مزيج الطاقة، بحلول عام 2050، وذلك مقابل أقل من نحو 3% فى الوقت الراهن.
ويمكن القول في هذا السياق إنّ الريادة العالمية في إنتاج الغاز الطبيعي ستظل آسيوية-عربية. ويدفع الطموح كبرى شركات الطاقة الأحفورية إلى التنافس لضخ الاستثمارات الضخمة وشراء حصص في الشركات والصناديق المخصصة لتطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر، وبالأخص في المنطقة العربية، التي تحظى بمؤهلاتٍ طبيعية مثل طاقة الشمس والرياح واتساع حقول الطاقة والقرب الجغرافي من الأسواق الأوروبية، بما يجعلها من بين أكثر مناطق العالم قابلية لإنتاج هذه الطاقة الجديدة.
فلقد أسهمت نحو 9 دول عربية بقوة في المشهد العالمي لإنتاج الهيدروجين، شملت: «مصر، والمملكة العربية السعودية، والمغرب، وسلطنة عمان، والعراق، والإمارات العربية المتحدة، والجزائر، وقطر، وموريتانيا».
وهذه الدول استطاعت، خلال الفترة الماضية، النجاح في توقيع العديد من مذكرات التفاهم عالميًا في مجال إنتاج واستخدام الهيدروجين، ما أدى إلى ارتفاع عدد مشروعات إنتاج وتطوير الهيدروجين في المنطقة العربية إلى نحو 41 مشروعًا. من ناحيتها، تأتي مصر على رأس القائمة من حيث عدد المشروعات والتي تهدف إلى توطين صناعة الهيدروجين الأخضر، بعدد نحو 14 مشروعًا.
بيد أنه كما كان الحال مع صناعة النفط الصخري الأمريكي في بداية عصره، تعتبر كلفة الإنتاج الضخمة هي العقبة الرئيسية أمام تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر، فالكلفة التي يتطلبها إنتاج الهيدروجين الأخضر ما زالت تحد من تنافسيته في الأسواق العالمية.
الأمر الذي يتطلب الإسراع في ضخ الاستثمارات إلى هذه الصناعة الخضراء، ونشر وتسهيل أنظمة التحليل الكهربائي التي تُستخدم في صناعة الهيدروجين الأخضر، مع تشجيع عمليات الصناعة المحلية، وتذليل كافة العقبات أمام تلك الخطوة؛ لأن الهيدروجين الأخضر يُعد الوسيلة الأمثل لاستثمار فائض الإنتاج الطاقوي من المصادر البديلة أو المتجددة والتي عجزت التكنولوجيا عن حل مسألة تخزينه.
فأصبحت محطات إنتاج الطاقة المتجددة تشهد فترات عطلة، حين تغيب أشعة الشمس أو الرياح أو أضحت أمام فائض طاقوي لا يُستغل خلال فترات ذروة الإنتاج.
وعليه، بات تحويل هذا الفائض من الطاقة إلى هيدروجين قابل للتخزين والاستعمال لإنتاج الكهرباء أو الحرارة هو الحل الأمثل لهذه المعادلة الصعبة.
وفي حال خفض كلفة الإنتاج بشكل أكبر، فإنّ الاستثمار في محطات الطاقات المتجددة الخاصة بإنتاج الهيدروجين سيصبح هدفًا رئيسًا في حد ذاته. ويتطلب الأمر أيضًا ضرورة وضع أطر قانونية وتشريعية تسهم في تذليل العقبات تجاه الصناعة العالمية الجديدة، وهي إنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر، مع ضرورة عقد شراكات دولية وإقليمية فيما يتعلق بالتكنولوجيا المستخدمة في مراحل عمليات الهيدروجين الأخضر المختلفة «أبحاث علمية ودراسات وإنتاج ونقل وتخزين» بهدف العمل على خفض التكلفة الإجمالية لصناعة الهيدروجين الأخضر.
وتقتضي صناعة الهيدروجين الأخضر أيضًا توسيع دائرة البحث العلمي لزيادة وتسريع وتيرة نموها؛ على سبيل المثال عن طريق إنشاء مركز بحثي متخصص في تقنيات إنتاج الهيدروجين وتطبيقاته مثل خلايا الوقود ودعم التكامل فيما بينها والاستفادة من الخبرات والتجارب التي قطعتها بعض الدول في هذا الشأن بالإضافة إلى تعزيز الصناعة المحلية لمتطلبات الصناعة.
خلاصة القول؛ طاقة الهيدروجين أصبحت عنصرًا أساسيًا في خطط الاستثمار العالمي والمحايدة للكربون في العديد من الاقتصادات. ومن المؤكّد أنّ اقتصاد الهيدروجين ينبئ بمشهدٍ جديد في ظل التطورات والتغيرات العالمية التي ستعيد تشكيل خارطة الطاقة العالمية.
الخبير المشارك بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية