الدستور الفرنسي.. مبادئ الحرية والمساواة والإخاء وحكم الشعب بالشعب
ما إن تم نشر المسودة الكاملة للدستور المصري حتى بدأ النقاش والجدل والقبول والرفض والتفسير، وتناقلت الألسن مواده ما بين توضيح لفائدتها أو تحذير من خطورتها. وفي محاولة للفهم كان من المهم الاطلاع على بعض الدساتير الأخرى وكيف كانت ومدى تقاربها أو تباعدها عن المواد المقترحة للدستور الحالي. ومحاولة الفهم هذه المرة مع الدستور الفرنسي، الذي أتم رحلته واستقر كدستور متكامل في أكتوبر عام 1958 على يد الرئيس شارل ديجول، الأب الروحي للجمهورية الخامسة، وهو نفسه الدستور الذي يعرف باسم دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة.
كانت البداية منذ العهد الملكي، الذي لم يعرف دستورًا رسميًا واعتمد أساسًا على العرف، ثم جاءت الثورة الفرنسية لتبدأ عهدًا جديدًا أطاح بالملكية وأعلن الجمهورية الفرنسية الأولى، ومنذ ذلك الوقت توالت عدة دساتير لم تنجح في الاستمرار لأسباب عدة، منها كثرة الانقلابات والتغيير ما بين الجمهورية والإمبراطورية، وآخرها كان الاجتياح الألماني لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد انتهاء الحرب تم إقرار دستور في 1946 كامتداد للجمهورية الثالثة التي كانت قائمة قبل الحرب العالمية الثانية، وعانى من المشكلات الكثيرة التي عانت منها الجمهورية الثالثة، كالوزارات قصيرة الأجل على سبيل المثال، حتى قامت الجمهورية الخامسة على أنقاض الجمهورية الرابعة، وتم فيها الاستغناء عن نظام الحكم البرلماني لصالح نظام حكم نصف رئاسي.
وبدأ الدستور الفرنسي للجمهورية الخامسة من نفس منطلق الإعلان الذي ظهر في أعقاب الثورة الفرنسية في 1789، والمعروف بإعلان حقوق الإنسان والمواطن، مرورًا بديباجة دستور 1946. وتم التصديق عليه في الرابع من أكتوبر عام 1958، ويقع في 89 مادة، وآخر التعديلات التي أجريت عليه كانت في الثالث والعشرين من يوليو 2008.
في هذا الدستور تختلف المادة الثانية الفرنسية عن المادة الثانية في الدستور المصري ومسودته، والتي كانت دائمًا محل خلاف في فترة ما بعد الثورة، حيث تنص مادته الثانية على أن لغة الجمهورية هي الفرنسية وشعار الوطن هو العلم الفرنسي بألوانه الثلاثة المعروفة، كذلك التأكيد على شعار الجمهورية «الحرية والمساواة والإخاء» ومبدؤها «حكومة الشعب بالشعب ولصالح الشعب»، وتحديد اللغة حاضر في المسودة المصرية ويغيب عن الدستور الأمريكي على سبيل المثال.
وبينما تتفق المسودة على أن الدين الإسلامي هو دين الدولة الرسمي وأن مبادئ شريعته هي المصدر الرئيسي للتشريع، مع تساوي جميع المواطنين أمام القانون، فإن الدستور الفرنسي يؤكد أن فرنسا دولة علمانية ديمقراطية تكفل مساواة جميع المواطنين أمام القانون دون تمييز يقوم على العرق أو الأصل أو الدين، كما جاء في المادة الأولى منه.
سيادة الشعب مبدأ تتفق فيه مسودة الدستور المصري الجديد مع دستور الجمهورية الخامسة الفرنسي، حيث جاء في الباب الأول من المسودة «الدولة والمجتمع»، وخاصة المادة الخامسة، أن السيادة للشعب يمارسها ويحميها وأنه مصدر السلطات، في حين جاء ذلك في المادة الثالثة من الدستور الفرنسي بشيء من التفصيل، حيث «السيادة للشعب يمارسها عن طريق ممثليه بواسطة الاستفتاء، ولا يجوز لفئة من الشعب أو لأي فرد أن يستأثر بحق مارسة السيادة الوطنية».
وفيما يخص تعريف رئيس الجمهورية، فوفقًا للمادة 134 من مسودة الدستور المصري، هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية، يرعى مصالح الشعب ويحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه ويراعي الحدود بين السلطات، كما يتم انتخابه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد عبر إعادة انتخاب لمرة واحدة، أما في الدستور الفرنسي فإن رئيس الجمهورية يسهر على احترام الدستور ويضمن سير السلطات العامة واستمرار بقاء الدولة، وتستمر فترة ولايته لمدة خمس سنوات، ولا يمكنه أن يستمر في منصبه أكثر من فترتي رئاسة متتاليتين.
ومن نقاط الاتفاق الأخرى ما يخص القضاء، حيث اتفق الدستور الفرنسي ومسودة الدستور المصري حول استقلالية القضاء وعدم قابلية القضاة للعزل، وأوضح دستور فرنسا أن الرئيس هو حامي استقلالية القضاء، بينما لم توضح المسودة المصرية ذلك صراحة.