مبنى أثري لا تحمل واجهته أي لافتة تقود الزائر إلى سيرة عمرها أكثر من 200 عام لأقدم معصرة زيوت في صعيد مصر، جدرانه الصفراء تشي بعمره، هنا الطبيعة تغلب المشهد، ولا صوت إلا لتروس آلات مدوية، لكل شبر فيه حكاية خاصة، رجال شبّوا وشابوا على الحرفة، الحبوب بأنواعها شغفتهم حبا فأبدعوا في استخراج أنواع مختلفة من الزيوت الطبيعية، عبروا بها حدود الصعيد ووصل صداها إلى كافة محافظات الجمهورية واندرج ضمن قائمة أثار الصعيد جعله مزار سياحي وتراث تاريخي.
كيفية طحن الحبوب بشكل طبيعي في معصرة بكور
في واحد من أزقة مدينة إسنا التراثية بمحافظة الأقصر، تقع معصرة «بكور» للزيوت الطبيعية، التي اتخذت اسمها نسبة إلى عائلة عبد الحميد بكور أول من عمل بها، المكان بالداخل ينقسم إلى غرفتين، في الواجهة حجر جرانيت يزن نحو 500 كيلو تجره ماشية- قديما- لطحن قرابة 50 كيلو حبوب أو أكثر، وأما الغرفة الثانية تشمل آلة خشبية تستخدم في استخلاص الزيوت من الشوائب عبر فلاتر مصنوعة من عيدان الذرة بشكل طبيعي تمهيدا للتعئبة وتوزيعها إلى منافذ البيع، يروي أحمد عبدالله، مفتش أثار بمدينة إسنا في بداية حديثه لـ«الوطن» عن آلية عمل المعصرة التراثية كما كانت قبل مئتي عام.
المعصرة التي تقع على بعد دقائق قليلة من معبد إسنا التراثي، عمل بها عشرات الرجال تارة يجرون الحجر، بديلا عن الماشية، المربوط بجذع شجرة ببطء فتدهس الرحى البذور وتخرج منها زيوت من أنواع شتى التي يستخدمها أهالي الأقصر والصعيد في التداوي من الأمراض إلى جانب الاستخدامات الآخرى لتلك الزيوت المستخلصة.
جدران المكان التاريخي بهت لون طلائها من أثر الزمن، الممرات تفوح منها رائحة التاريخ وقد اختلطت برائحة الزيوت، «من 210 سنة كانت المعصرة دي أساس صناعة الزيوت في وجه قبلي كله قبل ما يظهر مكن المصانع وكانت بتورد الزيوت لكل مكان في الصعيد»، بحسب رواية مفتش الآثار المسؤول عن المنطقة السياحية.
حكايات أهالي إسنا عن معصرة بكور
خلال جولة «الوطن» في شوارع مدينة إسنا، حكايات متداولة بين الأهالي عن التداوي بالزيوت التي أنتجتها المعصرة قديما، استحوذت بها على مكانة كبيرة في قلوبهم، هذا يذكر جده المريض حين تداوى بالزيوت الطبيعية من مرض جلدي نادر، في وقت لم يقدر فيه الطب على علاجه قبل نحو 80 عاما، والآخر يذكر نقاء زيت الزيتون المستخلص منها، وأمان استخدامها في طهي الطعام.
زيت السمسم وحبة البركة للتداوي من معصرة بكور
صمدت المعصرة التاريخية ولم تختف رغم النهضة الصناعية التي شهدتها صناعة الزيوت، ولكن لم تعد تنتج زيوت في الفترة الحالية بشكل دائم: «زمان كانت المواشي بتجر الحجر وتطحن الحبوب وبتنتج بشكل يومي زيت سمسم وزيت حبة البركة وجرجير وغيرها من الزيوت، ومع الوقت بقى بيقوم واحد من رجال المدينة بطحن الحبوب ومع السنين قل الإنتاج» ولكن مازال المكان قادرا على إنتاج الزيوت في حال تدويره، بحسب رواية أحمد عبدالله مفتش الآثار.
باتت المعصرة مزارا يتوافد إليها سياح المدينة من دول مختلفة، لمشاهدة مراحل استخراج الزيوت بهذه الطريقة القديمة قبل ثورة المكن، وتشهد الآن عمليات ترميم وتجديد للحفاظ عليها، بحسب رواية مفتش الآثار بالمنطقة.
تعليقات الفيسبوك