دينا عبدالفتاح تكتب .. أوروبا تدخل الحرب.. 5 انعكاسات على اقتصاد العالم
دينا عبدالفتاح
فى البداية أعزى نفسى وأسرتى بالكامل فى جريدة «الوطن»، فى وفاة واحد من مؤسسيها، وأحد أهم الصحفيين فى مصر والمنطقة العربية، الزميل العزيز محمود الكردوسى، رئيس مجلس إدارة جريدة الوطن وعضو مجلس الشيوخ، داعين الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يرزقه الفردوس الأعلى.
دخلت الأزمة الروسية الأوكرانية مرحلة جديدة، قد يكون شعارها مرحلة «اللاعودة»، فقد بدأت الحرب رسمياً بدخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، وبدء تنفيذ ضربات عسكرية لعدد من الأهداف التى وصفتها موسكو بأنها مبدئية ومؤثرة.
وبذلك يكون الاقتصاد العالمى قد دخل مرحلة جديدة من التحديات الكبرى التى ضربت استقراره فى آخر 3 سنوات، والتى بدأت بجائحة كورونا فى مطلع 2020، واستمرت بأزمة سلاسل التوريد والتضخم العالمى فى 2021، وانتهت بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، ومن ورائهما القوى الرئيسية حول العالم فى مطلع 2022.
وحول الآثار المحتملة لهذا الصراع المسلح، فيمكن تلخيصه فى 5 بنود رئيسية كالتالى:
أولاً: اضطراب سوق الغاز والنفط عالمياً؛ فمع الضربات العسكرية لروسيا فى أوكرانيا، ستتعطل أو تتقلص بنسب كبيرة صادرات الغاز والنفط فى كلتا الدولتين، وتحديداً فى روسيا المصنّفة الأولى عالمياً فى تصدير الغاز الطبيعى، وستكون دول الاتحاد الأوروبى فى مقدّمة المتأثرين بتراجع صادرات موسكو من الغاز، إذ توفر روسيا أكثر من 40% من احتياجات أوروبا من الغاز، ونحو 25% من احتياجاتها من النفط. وهنا ستبدأ القوى الاقتصادية الرئيسية فى أوروبا فى محاولة تدبير مصادر بديلة للغاز، وتحديداً من خلال «الولايات المتحدة، النرويج، قطر، وأستراليا»، التى تعد من أكبر مصدّرى الغاز حول العالم، وهنا حتماً مع زيادة الطلب على الغاز سترتفع أسعاره عالمياً، وباعتباره مدخلاً إنتاجياً رئيسياً فى مختلف الصناعات ستحدث زيادات ثانوية فى أسعار السلع والخدمات النهائية، الأمر الذى يؤجّج التضخم الموجود بالفعل.
الأمر ذاته ينطبق على سوق النفط الخام، مع تغير خريطة المصدّرين الذين ستهتم أوروبا بتدبير احتياجاتها منهم، حيث تضم القائمة هنا «السعودية، الولايات المتحدة، العراق، والإمارات».
ويدعم هذا التأثير بشكل كبير الدول العربية المصدّرة للنفط والغاز، وأهمها؛ «السعودية، قطر، العراق، الإمارات، الجزائر»، بينما سيؤثر سلباً بشكل كبير على الدول المستوردة للنفط، وفى مقدمتها «تونس، لبنان، واليمن»، مع وجود مجموعة من الدول فى المنطقة الرمادية التى سيكون التأثير عليها ذا حدين، أحدهما سلبى نتيجة استيراد النفط، والآخر إيجابى نتيجة تصدير الغاز، وفى مقدمة هذه الدول «مصر، والجزائر».
ثانياً: اضطراب سوق الغذاء، حيث تعد روسيا وأوكرانيا من أهم منتجى الغذاء حول العالم، وتحديداً القمح والذرة وباقى الحبوب، ومع انطلاق النزاعات المسلحة هناك، ستتجه كل دولة لتخزين غالبية إنتاجها، تخوفاً مما هو قادم، والذى يعد مجهولاً بالنسبة للعالم أجمع، وهنا ستقل صادرات كلتا الدولتين من الغذاء، وستضطر الدول المستوردة إلى البحث عن مصادر بديلة، الأمر الذى يدفع لتزايد الطلب على الغذاء عالمياً، ومن ثم ارتفاع أسعار مكوناته الرئيسية، وبالتالى تهديد الأمن الغذائى فى عدد من الأقاليم الفقيرة حول العالم.
وتسهم كل من روسيا وأوكرانيا بتصدير 25% تقريباً من احتياجات العالم من الحبوب والقمح، والمحاصيل الزراعية الرئيسية، وتوردان 40% من هذه الكمية إلى منطقة الشرق الأوسط عبر البحر الأسود، وهنا ستكون دول المنطقة هى الأكثر تأثراً بانخفاض الإمدادات الروسية والأوكرانية من الغذاء، حيث مطلوب منها البحث عن مصادر بديلة، وهذه المصادر تقوم بالفعل بتوريد إنتاجها إلى أقاليم عالمية أخرى فى آسيا وأمريكا الشمالية، والجنوبية، وهنا ستدخل دول المنطقة فى حرب أسعار مع المستوردين الآخرين، الأمر الذى يطرح تساؤلاً: من سيستطيع الصمود وتبقى سوقه مستقرة؟!
هناك شريحتان فى منطقة الشرق الأوسط، شريحة تمتلك احتياطيات أجنبية قوية، تُؤمن احتياجاتها من الواردات لأطول فترة ممكنة، وشريحة أخرى فقيرة، وتعانى نقصاً شديداً فى احتياطيات النقد الأجنبى، حتماً ستكون الشريحة الأولى أكثر قدرة على توفير احتياجاتها من السلع الخارجية، وستكون أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار لأسواقها.
كما أنه تدخل ضمن اعتبارات التأثير أيضاً درجة اعتماد كل دولة من دول المنطقة على الحبوب الروسية والأوكرانية، بالإضافة إلى حجم الاحتياطيات الاستراتيجية لدى كل دولة من هذه السلع.
وبتطبيق الاعتبارات السابقة على حالة مصر، سنجد أن الدولة المصرية تمتلك احتياطيات استراتيجية مؤمّنة من السلع الرئيسية، وتحديداً السلع الغذائية، ويكفى هذا الاحتياطى لما بين 4 و6 أشهر حسب نوع السلعة، كما أن احتياطى القمح الحالى سيتم تعزيزه بالحصول على إنتاج المزارعين المصريين، على نحو سيُؤمّن احتياجات مصر من القمح حتى نهاية 2022 دون الحاجة إلى الاستيراد.
ورغم اعتماد مصر على توفير قرابة نصف وارداتها من الحبوب على روسيا وأوكرانيا، إلا أنها تعد الخامسة فى المنطقة العربية من حيث قوة الاعتماد على هاتين الدولتين، بعد كل من «عمان، الإمارات، ليبيا، ولبنان»، حيث تعتمد هذه الدول على إنتاج الدولتين المتنازعتين فى توفير حصة بين 55 و75% من احتياجاتها من الحبوب.
وتتمتع مصر أيضاً باحتياطيات نقدية أجنبية كبيرة تقترب من 41 مليار دولار وتغطى وارداتها لنحو 7 أشهر كاملة، وهنا تتمتع مصر بقدرة عالية للغاية على توفير احتياجاتها من السلع الخارجية.
ثالثاً: التأثير السلبى على النمو الاقتصادى عالمياً، فمن الطبيعى مع تأثر حركة التجارة والسياحة، فى منطقة أوروبا، وزيادة حدة التضخم العالمى، والعقوبات الاقتصادية، التى تم فرضها بالفعل على روسيا، والرد المماثل منها، أن يتأثر النمو الاقتصادى عالمياً وأن يفرض هذا الوضع انكماشاً على الكثير من دول العالم حال استمراره عدة أشهر فقط.
وفى هذا الصدد، قال «جيه بى مورجان» إن التوترات الحالية قادرة على تخفيض نمو الناتج المحلى الإجمالى العالمى إلى 0.9٪ فقط على أساس سنوى فى النصف الأول من 2022، بينما يزيد التضخم بأكثر من الضعف إلى 7.2٪، وذلك فى حالة اضطراب سوق النفط والغاز، وحدوث التنبؤات بارتفاع سعر النفط إلى حدود 150 دولاراً للبرميل.
رابعاً: إعادة ترتيب خريطة الاستثمار الدولية، هنا ستتغير اللعبة بالكامل، وسيعيد المستثمرون الدوليون النظر فى أدوات الاستثمار الآمن ومناطقه، وحتماً سيتجه أغلب المستثمرين إلى السندات وأدوات الاستثمار الآمن على حساب الأسهم، كما سيتجه هؤلاء المستثمرون أيضاً إلى مناطق تصنّف بأنها بعيدة نسبياً عن الحرب فى أوروبا، وهنا ستبرز مجموعة من الأسواق التى تتسم بتوافر الفرص الاستثمارية المربحة، والاستقرار فى اقتصادياتها ووضعها الأمنى، وفى مقدمتها «مصر، البرازيل، والهند»، وبعض دول جنوب شرق آسيا.
خامساً: تزايد حدة الانقسامات بين القوى الدولية، حيث ستشهد الفترة المقبلة أكثر من أى وقت مضى انقساماً حاداً بين القوى الدولية، وحلفائهم، وستتشكل خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة خرائط جديدة لحلفاء كل معسكر، حسب المغريات التى يستطيع كل قطب تقديمها، خاصة مع ضغط الولايات المتحدة بأوراق الغاز، والعقوبات الاقتصادية والقمح، وضغط روسيا بأوراق القوة العسكرية، وإعادة توجيه الغاز، ومساندة الصين، وهنا ستتشكل مكاسب أو خسائر كل دولة بمدى نجاحها فى تحديد الرهان الرابح لها فى هذه الأزمة، والتى يمكنها أن تعتمد عليه فى تخفيف حدة خسائرها، بل وإمكانية تحقيق مكاسب من باطن الأزمة.