د. صلاح فضل: مشروع قانون «الحفاظ على اللغة» أمام البرلمان وننتظر مناقشته
الدكتور صلاح فضل، رئيس مجمع اللغة العربية
رئيس مجمع اللغة العربية : الأساتذة لايعرفون كيفية تقديمها لطلاب المدارس بشكل جذاب
قال الدكتور صلاح فضل، رئيس مجمع اللغة العربية، إن اللغة عنوان الهوية، والحفاظ عليها نوعٌ من الانتماء، مشيراً إلى أن الأساتذة لا يقدمون المناهج لطلاب المدارس بشكل جذاب ما يجعلهم لا يميلون لتعلمها، وأضاف فى حواره لـ«الوطن» أن المجمّع قدم مشروع قانون «الحفاظ على اللغة العربية» لمجلس النواب وينتظر مناقشته فى الدورة الحالية، وإلى نص الحوار:
ما تقييمك لمستوى اللغة العربية فى المجتمع المصرى؟
- اللغة عنوان الهوية ودائماً هناك جدلية بين مستويين من اللغة العربية، فى المجتمع المصرى والمجتمعات العربية كلها، المستوى الأول هو اللغة الفصحى وهى لغة الكتابة والقراءة والتأليف العلمى والأدبى، وهى التى تحفظ التراث وتعد عنواناً للهوية وكنزاً للثقافة وضرورة قومية ينص الدستور المصرى على الحفاظ عليها، وهناك المستوى الثانى وهو اللهجة العامية المتفرعة من تلك اللغة الأم الفصحى، وهى لهجة حوار نحيا بها فى حياتنا اليومية، وكان المعهود قديماً أن هناك صراعاً بين المستويين، لكن تبين بالأبحاث المحدثة أن تلك الظاهرة إيجابية ولا تخلق صراعاً، لأن لكل مستوى من المستويين مجاله وضرورته واستخدامه، لكن التشويه الذى يمكن أن ينال اللغة العربية فى مستواها الفصيح هو أن تطغى اللهجة العامية على الكتابة، فتكتب بها مثلاً الإعلانات وأسماء المحلات، وهو اعتداء على لغة الكتابة التى لا بد أن تكون فصيحة، كما أن هناك عدواناً آخر يقع على اللغة العربية عندما تمتزج بها بعض الكلمات الأجنبية، ويتوهم بعض الناس أن الحديث بلغة أجنبية يجعلهم أرفع مقاماً وأعلى درجة طبقية وثقافية من الذين يتحدثون العربية.
لجوء البعض لإدخال الكلمات الأجنبية إلى «العربية» سببه «التفاخر» أو ضعف المتحدث في «الفصحى» وأدعو إلى اختيار نصوص جاذبة للتلاميذ لتعلمها
ما دلالة لجوء البعض لإدخال الكلمات الأجنبية إلى العربية عند الحديث؟
- ذلك يكشف أمرين سلبيين: الأول هو العجز وضعف المتحدث فى اللغة الفصحى، وعدم قراءته بقدرٍ كاف فى كتاباتها، وعدم إتقانه لها، وهذه سُبة وعار، لأننا لا يمكن أن نرى متحدثا إنجليزياً أو فرنسياً أو ألمانياً ضعيفاً فى لغته ويلجأ إلى استخدام لغة أخرى لعجزه عن استخدام لغته القومية، والثانى، وهو أشد ضرراً من ذلك، توهّم الشخص أن الحديث بلغة أجنبية يرفع قدره الاجتماعى ويكشف عن طبقته العليا ويجعله يفخر بأنه يتقن التحدث بلغة أجنبية. التفاخر بذلك يحط من قدر الشخص، مع ملاحظة أن معرفة اللغة القومية الأصلية هى التى تعين الفرد على أن يتقن اللغة الأجنبية.
وما دور المجمع فى الحفاظ على اللغة؟
- المجمع ليس دوره تعليمياً، فهو ليس جامعة أو مدرسة، ولا مهمته أن يُعلم الآخرين، لكن مهمته كما ينص عليها قانونه الحالى هو تطوير اللغة وتوسيع دائرتها وضم المستحدث من مصطلحات العلوم والفنون والآداب وكل المعارف، وخدمة تطورها الحضارى، وتشجيع إتقان اللغة العربية الفصحى ووضعها موضع الأولوية فى التعليم والإعلام وتخليصها من التشوهات التى يمكن أن تحدث لها حتى تحافظ على نقائها ووفائها لوظيفة التواصل المجتمعى والثقافى والعلمى.
كيف تستفيد الجهات المختصة بالتعليم من جهود المجمع؟
- لدينا ثلاث لجان مختصة بالعمل فى التنسيق مع هذه الجهات، لجنة بعنوان «اللغة العربية فى التعليم» وهى تراجع المناهج وتبلغ وزارة التعليم بملاحظاتها ومقترحاتها لتنقية وتغذية اللغة العربية الفصحى فى برامج التعليم بمستوياته المختلفة، وترسل هذه الملاحظات لقسم المناهج بوزارة التربية والتعليم، ولجنة بعنوان «اللغة العربية فى الإعلام»، وتقوم بالوظيفة ذاتها بالنسب لوسائل الإعلام المختلفة، ولجنة ثالثة تتلقى كل الاستفسارات والشكاوى وتعمل على التواصل مع المجتمع لتجيب عن كل أسئلته ولكى تسد حاجته المتصلة بالضروريات اللغوية وصحة استخدامها.
هل تأخذ وزارة التعليم بمقترحات المجمع؟
- أحياناً تأخذ وأحياناً لا يحدث ذلك.
لِمَ لا يميل كثيرٌ من الطلاب لحب اللغة العربية فى المدارس؟
- هذه مشكلة نفسية وطبقية، وسببها أن الأساتذة لا يعرفون كيفية تقديمها بشكل جذاب، فهم يتصورون أن حفظ القواعد هو الوسيلة الفعالة لإتقان اللغة، كما أن هناك جزءاً من المشكلة فى المنهج نفسه، وجزءاً فى تكوين هؤلاء المعلمين، وجزءاً فى المجتمع ذاته، هناك قصور لدى أساتذة اللغة العربية، فى أن معظمهم يعجز عن تقديم المادة الجاذبة للطلاب، والتى تجعل التلاميذ يحبون اللغة ويعشقونها، وهذه مسألة تحتاج وسائل تربوية لعلاجها لأننا نضع حتى الآن الوسائل الحديثة التى تحبّب الشباب فى لغتهم، من خلال اختيار النصوص الجذابة، وتخفيف العبء الذى يجده التلاميذ، الخاص بالنحو والقواعد دون اهتمام بالتطبيق، فإجادة استعمال اللغة تأتى عن طريق تدريس النصوص المحببة والجيدة، كما أن جزءاً من المشكلة يرجع لتصور معظم الأهالى والأسر أن إتقان اللغات الأجنبية أجدى لأبنائهم فى المستقبل من إتقانهم اللغة الوطنية.
هل تقصد عدم تعليم اللغات فى سن صغيرة للتلاميذ؟
- أنا لا أدعو إلى إهمال اللغات الأجنبية ولكن أدعو إلى العناية باللغة العربية بجانب هذه اللغات، فليس هناك تناقض بين الأمرين. لكن أدعو إلى تيسير النحو وتبسيط القواعد والاكتفاء بالضرورى منها وترك التفاصيل الكثيرة لمن يتخصصون فى اللغة العربية. ومراجعة مناهج المدارس الأجنبية فى مصر لكى تتضمن القدر الكافى من العناية اللازمة باللغة العربية، وفى الدول الغربية هناك قوانين تمنع استخدام اللغات الأجنبية بغير ضرورة. ولا بد أن نعتز بها، وأنا أدعو إلى تعلم اللغات الأجنبية لكن دون أن يكون ذلك على حساب الانتقاص من اللغة العربية، لأن ذلك يدل على ضعف فى هويتنا وانتمائنا وشخصيتنا القومية.
هل يقتصر اهتمام المجمع على اللغة العربية الفصحى؟
- هناك لجنة «اللهجات» ووظيفتها الأساسية دراسة العاميات وعلاقتها بالفصحى، ومنذ عقود طويلة هناك أساتذة فى المجمع كرسوا جهودهم لتقريب المسافة بين العامية والفصحى، وهو ضمن أدوار المجمع المنصوص عليها فى القانون، ونحن لا ندعو لالتزام الجميع بالفصحى، لكن هناك أيضاً عامية راقية، وبالغة الجمال.
ما جهود المجمع لحماية اللغة؟
- لدينا مشروع قانون «حماية اللغة العربية»، لإلزام الهيئات المختلفة بتوصيات المجمع فى ذلك، وقد تجدد طرح المشروع هذا الشهر وهو حالياً على جدول هذه الدورة فى مجلس النواب، وفى قانون اللغة العربية المعروض على البرلمان مواد تجعل من صلاحيات المجمع إلزام الهيئات والمؤسسات بهذا النسق من التعامل.
30 لجنة علمية
لدينا ثلاثون لجنة علمية فى كل تخصصات العلوم، كل لجنة تعكف طول العام على صياغة المصطلحات الجديدة التى استُحدثت فى أى فرع من فروع المعرفة والبحث عن مقابلات باللغة العربية، إما بالتعريب أو الصياغة أو تطويع المصطلح الأجنبى، إلى غير ذلك من وسائل نقل هذه المصطلحات، ولدينا حتى الآن ما يقرب من ثلاثين مجلداً لهذه المصطلحات العلمية، ما يُثرى الحياة العلمية والفكرية إلى جانب المعاجم التى ينجزها المجمع. وقد أنجز المجمع، منذ سنوات طويلة، عدداً من المعاجم، منها المعجم الوجيز والطبعة الثانية من المعجم الوسيط، وينجز الآن المشروع الأكبر من المعجم الكبير الذى صدر منه حتى الآن 14 مجلداً، كما أنجز بالتعاون مع المجامع العربية الأخرى المعجم التاريخى الذى تبناه الشيخ سلطان القاسمى، أمير الشارقة، وصدر منه حتى الآن 17 مجلداً هذا الشهر، ومجموعة أخرى من الكتب والمعاجم النوعية والدراسات اللغوية التى تعمل على توسيع نطاق اللغة العربية وتحديث آلياتها وجعلها قابلة لامتصاص كل العلوم والتعبير عنها.