"أسانج" يصف حياته بسفارة الإكوادور بعد مرور 100 يوم: "مثل الحياة داخل سفينة فضاء"
حجرة واحدة صغيرة.. فراش على الأرض.. إضاءة سماوية اللون لمحاكاة ضوء النهار. خارج الحجرة يقف رجل شرطة، وآخر عند المصعد في حالة وجود داعٍ للانتقال عبر السطح بالهليكوبتر.
هذه هي ملامح الملجأ الذي يعيش فيه مؤسس موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج (41 عامًا) داخل سفارة الإكوادور صغيرة الحجم والمساحة في لندن، منذ يونيو الماضي، والذي يقول في وصفه لهذه الحياة إنها "تشبه الحياة داخل سفينة فضائية"، وذلك خلال حوار مع جريدة "الديلي ميل" البريطانية.
وكانت الإكوادور قد منحت أسانج حق اللجوء السياسي، وانتقل للحياة في سفارتها حتى يتم نقله إلى البلاد، لكن بريطانيا تعتزم تطبيق مذكرة توقيف سويدية ضده، ولم تتوصل المفاوضات بين البلدين إلى حل لقضيته حتى الآن. ويعتقد أسانج أن الاتهامات بالتحرش الجنسي التي وجهتها إليه سويديتان، والتي تقف وراء مذكرة التوقيف التي أصدرتها ستوكهولم بحقه، ستسقط. وقال: "قد يستغرق هذا الأمر ثلاثة أشهر، وقد يسير الأمر بسرعة أكبر من ذلك".
داخل سفارة الإكوادور نفسها يتناول أسانج غداءه مع موظفي وطاقم السفارة، حيث يقدمون أطباقًا متنوعة من الطعام الأمريكي الجنوبي، منها على سبيل المثال طبق المأكولات البحرية "Ceviche"، المكون من سمك طازج منقوع في عصير من الليمون والبصل.
وفي مقارنة بين البقاء في حجرته داخل السفارة وبين الحبس الانفرادي الذي تعرض له في 2010 على خلفية اتهامه بالتحرش الجنسي، قال: "لا مقارنة بين الاثنين. هنا أنا أتحكم في كل شيء، وهذا يتيح لي القيام بما هو أهم، خاصة حماية عملي من الهجمات التي يتعرض لها دائمًا".
وعن بدايات نزوله بالسفارة قال: "الشهرين الأولين في السفارة كانا إيجابيين جدًا. كانت لدينا معركة سياسية كبيرة، كما كانت هناك تدريبات على استخدام أجهزة الطوارئ، وعمل يومي مستمر لبناء حياة هنا". وتابع أسانج إن "الأمور صارت مستقرة الآن، وهذا الاستقرار أصبح مزعجًا، فلا يزال هناك خطر على المدى الطويل".
وفي تلك الغرفة أعاد أسانج بناء إمبراطوريته السايبرية، مع العديد من الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمول، بينما يمزق أي ورق يمكنه أن يترك أثرًا، وقال تعليلا لذلك: "عدونا خبيث وشرير جدًا، وما أنا فيه مثل حرب الخنادق بين رياح عاتية".
وبين كل هذا العمل تصبح الراحة بعيدة المنال، حيث قال أسانج عن ساعات عمله: "أعمل لمدة سبعة عشر ساعة في اليوم على مدار سبعة أيام، لكن النوم صعب جدًا بسبب تحركات رجال الشرطة في الخارج".
يضيف أسانج أيضًا: "لدي مصباح بلون زرقة السماء يحاكي ضوء النهار والسماء بالخارج، فلابد لي من ميقاتي وإلا سأعمل طوال الليل وأظل مستيقظًا كدجاج البطاريات". مضيفًا: "نادرًا ما أجد الوقت أو الرغبة للقراءة بغرض المتعة، لكن لدي هنا قاموس إسباني وكتاب عن جوانتانامو، وأشاهد بعض الأفلام والبرامج التليفزيونية على حاسبي النقال، والآن فإنني مستغرق في مشاهدة مسلسل الخيال العلمي The Twilight Zone الشهير".
يحافظ أسانج على نظام تمارين صارم، حيث يؤدي التمارين باستمرار مع مدرب متخصص، ويمارس رياضة الركض كل يوم بواسطة ماكينة رياضية أهداها إليه مخرج الأفلام الإنجليزي كين لوتش، حيث يجري مسافة من 3 إلى 5 أميال يوميًا، ويتدرب كذلك على الملاكمة وألعاب الجمباز.
ويحصل أسانج على طعامه الطازج من أصدقاء يجلبونه له في السفارة أو من بعض أفراد طاقم السفارة نفسها، ويتناول أقراص الفحم لمساعدته على الهضم، كما يتناول حبوب فيتامين "د" التي تعوض النقص في التعرض لضوء الشمس. وأضاف: "كان لدي مصباح يعمل بالأشعة فوق البنفسجية استخدمته مرتين في بدايات تواجدي هنا، قبل ظهوري العلني في إحدى شرفات السفارة للتحدث إلى وسائل الإعلام العالمية قبل ستة أسابيع في أغسطس الماضي".
وروى أسانج قصة استخدامه لهذا المصباح قائلا: "أوصلته بالكهرباء لكي لا أبدو شاحبًا جدًا. وبعد نصف ساعة قال لي أحد أفراد فريقي أن نصف وجهي صار أرجواني اللون وكذلك عنقي أيضًا.. كنت أشبه سرطان البحر المقلي. وبما أن الظهور في شرفة السفارة كان أمرًا سياسيًا شديد الأهمية، لذا فقد كان التفكير المسيطر عليَّ هو: ماذا أفعل؟". وأضاف: "فكرت في تعريض الجانب الآخر من وجهي لمصباح الأشعة، لكن عينيَّ أحرقتاني بشدة ولم يعد باستطاعتي الرؤية، كما بدأت البثور تتكون في جانب وجهي الأيسر، وبدأ جلدي يتساقط". ثم ضحك مكملا: "جاءت لي إحدى صديقات زوجتي بحقيبة مساحيق تجميلها لتحاول إعادتي كما كنت، واستغرقت العملية حوالي ساعة ونصف الساعة، حتى تضمن لي أنني لا أبدو من ضحايا تشيرنوبل".
وحكى أسانج عن أكثر ما يفتقده، فقال: "أفتقد الكثير من الأشياء.. الذهاب إلى المحلات التجارية، والخروج وتناول الطعام مع صديق. أفتقد الأفق المفتوح أمامي بلا حدود أو سقف، ووضع أصابع قدمي في مياه البحر، وصيد الأسماك وتسلق الجبال، لكن الأكثر من ذلك.. عائلتي"، حيث كانت هناك تلميحات أن أسانج يعيش في علاقة عاطفية جدية قبيل أن تتحول حياته إلى هذه الدراما، لكنه خجل من إبداء أي تفاصيل حول ذلك الأمر.
وأضاف: "كل من أحببتهم لا أستطيع رؤيتهم لدواعٍ أمنية، وهذا صنع مشكلة كبيرة للعلاقة التي كانت مهمة جدًا لي. بعض أفراد أسرتي بما في ذلك أبنائي تلقوا تهديدات بالقتل بدون ذنب. أنا يمكنني تحمل المخاطر، لأننا إذا كنا مؤمنين بأفكار فلسفية أو سياسية ما فإن علينا أن ندفع الثمن، وهذا عادل جدًا، لكن أفراد العائلة الذين لا دخل لهم بتلك الأمور معظمهم من أطفالي، وقد دعا اليمينيون بالولايات المتحدة الآن إلى استهدافهم لإجبارنا على التوقف عن نشر الوثائق، وهذه مشكلة أخلاقية كبرى أن يتم استخدام أبنائي كوسيلة ضغط ضدنا".
لا يقول أسانج أي تفاصيل عن أبنائه أو أعمارهم أو أماكن إقامتهم لدواعٍ أمنية، خوفًا من استهدافهم من الأشخاص أو الدول والأنظمة الحاكمة المتضررة من "ويكيليكس"، لكنه قال عن حياته مع أبنائه فيما سبق: "نشأ ابني الأكبر معي كأب عازب لأكثر من 14 عامًا بأستراليا. كنت دائمًا مشغولا، لكنني لم أكن غائبًا. لكنني لم أرَ أيًّا منهم من قبل أن أوضع تحت الإقامة الإجبارية".
وعن تعقب رجال المخابرات البريطانية له، أجاب بشكل غامض: "كانت هناك بعض المراقبات لنا، حتى بعد لجوئي إلى السفارة. لكن الحديث عن ذلك الآن قد يؤدي إلى نتائج عكسية"، ثم أضاف بعد ذلك: "حتى إذا كنت لا أخشى الاغتيال، فإن المائة يوم التي قضيتها هنا لها أثرها. صحتي تتدهور ببطء، وآمل أن يكون ذلك على المستوى البدني وليس العقلي أيضًا، وأحاول اتخاذ خطوات لإيقاف ذلك، لكنني أعاني من مشاكل مع الرئة، خاصة مع الإجهاد الذي ينال مني بسبب السعال".
وأجاب أسانج ردًا على سؤال حول احتمال مغادرته إلى الإكوادور: "أعتقد أن هذا أمر لا مفر منه، ولن أكون منعزلا هناك". وأضاف: "في الإكوادور يمكن لفريقي وأنا أن ننتقل منها بأمان ذهابًا وإيابًا إلى عدد من الدول الصديقة مثل تونس ومصر وروسيا والبرازيل والهند وفنزويلا وتشيلي والأرجنتين. إننا يجب أن ننظر إلى دول العالم كأنها رقعة شطرنج تتكون من مناطق مضيئة وأخرى مظلمة، متوقعين تغيير تلك المناطق وفقًا لآخر ما ننشره من وثائق".
وفي نهاية الحوار تحدث أسانج عن الاستمرار في عمله الذي جلب عليه المتاعب مع "ويكيليكس"، فقال: "لا يجب علينا أن نتوقف الآن، فهذا إرث مشترك يجب نشره للجميع. هذه الوثائق لا يجب تدميرها، بل إن الشروع في تدميرها يشبه تمامًا حريق مكتبة الإسكندرية القديمة". مؤكدا أنه "عندما ترى مؤسسات من كافة أنحاء العالم، بل وكذلك وثائق تلك المؤسسات الجبارة والدول والشركات الكبرى والبنوك، فإنك تبدأ في إلقاء نظرة على هذا النمط المشترك من الحضارة الإنسانية الحديثة، ويمكنك كذلك أن ترى كيف ينهار هذا العالم. نحن نخاطر بالانتقال بين حدود الواقع المرير، وهو ما لم نر مثله أبدًا، وذلك بسبب الترابط المتزايد بين الدول والاقتصاديات".