أحد الناجين من مركب هجرة غير شرعية لإيطاليا: «بنشتري الموت بفلوس»
«محمد»: ابن شقيقتي غرق في البحر أمام عيني والقدر أعادني لمصر مرة أخرى
أرشيفية
حلم بالثراء مثل شباب قريته المعروفة بهروب أبنائها دون علم ذويهم إلى إيطاليا عبر مراكب الهجرة غير الشرعية عن طريق سماسرة الهجرة، ليضعوا أسرهم أمام الأمر الواقع ويجبروهم على دفع مبالغ مالية مقابل استكمال الرحلة والوصول إلى إيطاليا، وحينما عزم على خوض المغامرة واجه الموت أكثر من مرة ونجح في الفرار من أسر المهربين، ليواجه رحلة محفوفة بالمخاطر أثناء العودة إلى مصر.
محمد قرر الهجرة لإيطاليا برفقة ابن شقيقته دون علم ذويهم
«محمد.س.م»، 22 عامًا، يقيم بقرية «ميت معلا»، التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، قال لـ«الوطن»، إنه قرر الهجرة إلى إيطاليا بالاتفاق مع ابن شقيقته «أحمد.ح.ي.م»، 19 عامًا، يقيم بقرية «دهمشا»، التابعة لمركز مشتول السوق، تلك القرية المعروفة بهجرة أبنائها دون علم أسرهم ووضعهم أمام ألأمر الواقع من أجل حلم الثراء.
الشاب الناجي من رحلة الموت اتفق مع السماسرة على دفع مبلغ 75 ألف جنيه
وأوضح الشاب العشريني، أنه اتفق وابن شقيقته مع سماسرة الهجرة غير الشرعية المعروفين بالقرية، على السفر إلى ايطاليا مقابل 75 ألف جنيه مقسمة إلى أجزاء، الدفعة الأولى 25 ألف جنيه عند وصولهم ليبيا، والدفعة الثانية 25 ألف جنيه أخرى عند تحرك مركب الهجرة، والدفعة الثالثة 25 ألف جنيه لدى وصولهم إيطاليا.
«محمد»: كنا نسير على الجثث المتحللة
وروى الشاب تفاصيل رحلته لـ«الوطن»، مشيرًا إلى أنه تحرك من القرية برفقة 38 شابًا بينهم ابن شقيقته في أول سبتمبر من العام الماضي، متوجهين إلى دولة ليبيا عن طريق أحد المهربين على اتصال بسماسرة الهجرة في القرية: «أثناء الرحلة إلى ليبيا سلكنا طرقًا لم يعرفها أحد، وكنا نسير على جثث متحللة لأشخاص ماتوا أثناء محاولتهم دخول ليبيا.. ولدى وصولنا للأراضي الليبية تم وضعنا في التخزين برفقة مغاربة وأفارقة وجنسيات أخرى، تحت حراسة مشددة من المهربين الذين صوبوا فوهات أسلحتهم النارية نحو رؤوسنا خشية أن يهرب أحد».
الشاب الناجي من مركب الموت الغارق يروي تفاصيل مواجهة الموت
واستكمل الشاب حديثة قائلًا: «يوم 12 سبتمبر عام 2020 حملنا مركبًا على أكتافنا ووضعناه في سيارة نقل حتى وصلنا للبحر، وجرى تهيئة المركب للإبحار، وصعد 65 شخصًا على متنه بيننا 30 شخصًا يحملون الجنسية المغربية، وتحركنا بالمركب التي من المفترض أنها تسع 30 شخصًا فقط على الأكثر، وكان برفقتنا شخصين أفارقة قالوا أنهما سائقين لنكتشف خلال الرحلة أنهما ليسا كذلك، وكانا على تواصل مع مهربين من ليبيا، طلبوا منهما زيادة السرعة، وبعد مرور يومين خلال رحلتنا ارتفعت الأمواج وكنا قرب المياه الإقليمية الإيطالية».
وتابع: «اتصلنا على الإنقاذ الإيطالي نستغيث به كي ينقذنا لكنهم أجابوا بأن المركب خارج نطاق خدمتهم وأن أمامنا ساعتين إبحار حتى يتمكنوا من أغاثتنا، في ذلك التوقيت اشتد الموج والمياه دخلت المركب، وبدأنا ننزح المياه باستخدام زجاجات مياه الشرب، لكن الحظ كان سيئًا حيث تعطل موتور المركب الذي بدأ يتمايل يمينًا ويسارًا، حتى انقلب بنا، في ذلك التوقيت أعطيت ابن شقيقتي الذي فقدته في البحر طوق نجاة، إلا أنني لم أره بعد غرق المركب، وعرفت أنه غرق فتشبثت بأحد الأشخاص المغاربة لأنه كان يرتدي سترة نجاة وتشاجر معي حتى أتركه من أجل البقاء حيًا لكنني لم أتركه وظللت ممسكًا به، وشاهدنا البرق والرعد وهطلت الأمطار على رؤسنا».
الشاب الناجي ..وصلة تعذيب 60 يومًا داخل السجون الليبية
وأضاف: «مركب الإنقاذ التابع للسواحل الليبية كان متوجها لإنقاذ أشخاص آخرين إلا أن العناية الإلهية ساقته لطريقنا وتم إنقاذنا والعودة إلى ليبيا مرة أخرى، وأخذوا منا النقود والتليفونات، وتم احتجازنا في سجن ليبي 60 يومًا تعرضنا خلالها للتعذيب حتى تمنينا الوفاة في البحر غرقًا وقتها».
ولفت إلى أن السجن كان يعج بالحشرات والفئران والطعام غير آدمي: «خرجنا في سيارة من السجن عن طريق المهربين متجهين إلي مدينة زواره، وهي منطقة التهريب أقصي غرب ليبيا بالقرب من تونس، ورجعنا المخزن مرة أخرى، وتم تجهيز مركب حجمها أكبر قليلًا وعددنا كان 80 شخصًا، والمركب جنحت في ذلك التوقيت فدفعناها حتي تحركت ورفضت استقلال المركب وقررت العودة إلى مصر دون إخبار المهربين حتى لا يقومون بقتلي».
«محمد» يروي تفاصيل فراره من المهربين
وواصل الشاب حديثة قائلًا: «والدي تحدث مع أحد المهربين طالبًا منه أن أذهب إلى طرابلس لتغيير جو عند أحد أقاربنا مقابل مبلغ مالي والعودة مرة أخرى لكن كان الهدف هو الهرب، فتحركت بسيارة برفقة أحد المهربين الذي كان يحمل سلاحًا آليًا وتحرك بنا من مخزن إلى مخزن أخر بقصد الوصول إلى طرابلس، وفي طريقنا تلقى إتصالًا تليفونيًا من أحد المهربين طالبًا منه وضعي في غرفة حتى الحضور لإنهاء حياتي، في ذلك التوقيت أعطيته الأمان ونزلت من السيارة لكنني فررت هربًا وأطلق وابلًا من الأعيرة النارية تجاهي إلا أنها لم تصيبني، ولجأت إلى مقهى واتصلت بوالدي وأخبرته ما حدث، فتواصل مع أحد الأشخاص ودفع له 20 ألف جنيهًا مقابل تهريبي وعودتي إلى مصر».
الناجي من مركب الموت: شعرت بالأمان عند وصولي السلوم
وأوضح الشاب، أنه رافق الليبي خلال رحلة تهريبه للحدود المصرية: «عندما وصلت السلوم وشاهدت العلم المصري وقوات حرس الحدود شعرت وقتها الأمان وحضن الوطن وبكيت، واستقبلنا ضابط مخابرات مصري وأثناء حديثي معه كنت في رهبة شديدة، إلا انه طمأنني وقال أنت في مصر في حضن بلدك الرهبة والخوف اللي أنت جاي بيهم من ليبيا دول انساهم وأعطاني سيجارة وقال هاتروح بيتك النهاردة، وبالفعل تركني بعد التحدث معي وملء استمارة، واتجهت إلي الإسكندرية ثم ركبت القطار إلى مدينة الزقازيق، ثم إلى منزلي».
وأضاف الشاب، أنه فور وصوله إلي منزله قبّل أيدي وأرجل والديه وأشقاءه طالبًا منهم المغفرة، مشيرًا إلى أن والدته فقدت الوعي عندما شاهدته، وتابع قائلًا: «أنا في التوقيت ده مكنتش مصدق نفسي إن أنا رجعت بيتي تاني، كان جسمي كله جروح من كثرة الهرش بسبب البق والحشرات ووالدي أحضر لي مراهم من الصيدلية ودهن جسمي كله، وذهبت إلى شقيقتي في نفس اليوم وخرجت لي وسألتني عن ابنها وسط حالة من الإنهيار والبكاء عندما ظهر علي ملامحي أن نجل شقيقتي توفي».
والد الشاب الناجي من رحلة الموت إلي إيطاليا: ما حدث من المهربين تجارة بالبشر
«سامي م.ع»، 70 عاما، والد الشاب الناجي، أكد أن نجله قرر الهجرة إلى إيطاليا برفقة حفيده، في رحلة محفوفة بالمخاطر دون علمه عن طريق أحد السماسرة، إلا أنه شاهد العذاب علي مدار أربعة أشهر، وعاد إلى منزله دون حفيده (أحمد حسام) الذي غرق في مياه البحر، واصفًا ما حدث من المهربين بأنه إتجار بالبشر.
زوج شقيقة الشاب الناجي: عرفت من محمد أن نجلي غرق في البحر
وأكد «حسام.ي.م»، 40 عاما، والد الشاب الغارق في المياه الإقليمية الليبية أن نجله طلب منه عند وصوله للأراضي الليبية في إتصال تليفوني دفع مبلغ مالي لشخص يدعى «إسلام.م»، وهو أحد السماسرة المعروفين بقرية دهمشا، وتابع قائلًا: «علمت بوفاة نجلي غرقًا في البحر ومعه 17 آخرين، والباقي 19 فردا استكملوا الرحلة ووصلوا إلى إيطاليا».
يذكر أن قرية دهمشا التابعة لمركز مشتول السوق بمحافظة الشرقية، شهدت أواخر العام الماضي فقدان 39 شابًا من أبنائها ما بين مفقود وغريق ومخطوف، خلال رحلات محفوفة بالمخاطر في مراكب هجرة غير شرعية إلى إيطاليا عن طريق ليبيا بواسطة مهربين بينهم إتصال مع سماسرة مصريين يستقطبون الشباب لهم بعد إيهامهم بحلم الثراء.
الأجهزة الأمنية تلقي القبض على 7 سماسرة للهجرة غير الشرعية
وألقت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الشرقية، بالإشتراك مع قطاعي الأمن العام والأمن الوطني وضباط مباحث مركزي مشتول السوق وبلبيس وضباط فريق البحث الجنائي لفرقة الجنوب، خلال الأيام الماضية، القبض على 7 سماسرة معروفين بتهريب الشباب بقرية دهمشا والقرى المحيطة بها إلى دولة ليبيا بقصد دخول إيطاليا.