بروفايل| سعيد مرزوق.. حكاية وراء كل باب
من منزل مجاور لـ"استوديو مصر" بحي الهرم، كان يتسلل الصغير صاحب العشرة أعوام بين عمال التصوير والإضاءة، إلى داخل البلاتوه، ليرى عالم جديد ساحر، جذبه فيه براعة الممثلين في أداء أدوارهم، ولكن بهره أكثر عالم ما وراء الكاميرا، فتسللت شخصية "المخرج" إلى عقله، فرآه الصانع الحقيقي للفيلم، يصمت كثيرًا وعندما يتحدث يصمت الجميع، يحول المكتوب على الورق إلى حدوتة مصورة شيقة، فقال ذات مرة، وهو يسترجع شريط الذكريات: "تمنيت أن أجلس على هذا الكرسي الذي يتحرك عاليًا، والذي يجلس عليه المخرج، وقتها بدأ حب الفن ينمو بداخلي بشكل غريب"، إنه عاشق السينما سعيد مرزوق.
قراءته عن السينما، والمعايشة الواقعية لصناعة الفيلم، أغنته عن دراستها، إذ فضل أن يتلقى خبرات عملية عن الدراسة الأكاديمية، فاشتغل في بداياته مساعدًا للمخرج إبراهيم الشقنقيري، وسرعان ما انتهت رحلة التدريب، وبدأ دوره كمخرج للأفلام القصيرة، صنع عملين، ثم بدأت مرحلة أخرى في حياته عام 1965، عندما أخرج أغنية "أنشودة السلام"، والتي اختيرت كأفضل عمل تلفزيوني وقتها.
سرعان ما تحول "مرزوق" للعالمية، وعرف طريقه للمهرجانات الدولية عام 1967، بفيلمه التسجيلي "أعداء الحرية"، والذي حصل به على الجائزة الثانية بمهرجان "ليبزج" الألماني، وبعدها بعام، قدم فيلم "طبول"، ونال أيضًا جائزة الدولة في الإخراج والتصوير والمونتاج في ذلك العام، كما تم اختيار "دموع الحرية" عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كأفضل فيلم.
تجربة المخرج الذي رحل اليوم عن عالمنا في السينما الروائية، كانت فريدة من نوعها، فهو صاحب فيلم "المذنبون"، الذي أثار ضجة رقابية وقتها، ومنع من العرض، وكانت الحجة وقتها أنه يسيئ لسمعة الشعب المصري، ووصل ضجيج الفيلم إلى قصر الرئاسة، وكانت المفاجأة، موافقة الرئيس الراحل أنور السادات على عرضه.
براعة مرزوق في تقديم قضايا المرأة، جعلته عنصرًا مؤثرًا في تغيير الواقع، عندما قدم فيلم "أريد حلا"، وكان على أثره إلغاء بند "بيت الطاعة" من قانون الأحوال الشخصية، فكان انتصارًا عظيمًا للمرأة المصرية، كما لم يكن فيلم "زوجتي والكلب" مجرد تجربة سينمائية فريدة، بل تحول إلى مادة للدراسة في المعاهد السينمائية العليا في مصر وأمريكا.
ظل "عاشق السينما"، يبهر من حوله بأفلام صفق لها الجمهور والنقاد، نقلت الواقع بكل تفاصيله وأوجاعه، حتى هاجمه وحش المرض اللعين في سنوات عمره الأخيرة، ليرحل عن عمر يناهز الـ"74" عن عالمنا، بعد رحلة لم يكن فيها مجرد مسافر، بل رحالة يوثق ويبحث وينبش في الطرقات المتعرجة، ويطرق على كل باب ليأتي من ورائه بحكاية.