أهداف "الجرافيتي" خيرية.. وأحد فنانيه: ما زال يعاني من سمعة سيئة
"الجرافيتي للجميع".. منذ العام 2012 ارتبط فن الرسم على الجدران بالأحداث السياسية، سواء في الدول العربية، بخاصة مصر في ثورات الربيع العربي، أو في أوروبا، فعندما نقل الفن الجدراني صوت المحتجين على الأوضاع السياسية شرقا، احتج أيضا ضد قرارات سياسية غربا، عندما اقترحت المفوضية الأوروبية لصيد الأسماك فرض حظر على طريقة للصيد تؤثر على الكائنات البحرية التي تعيش في قعر المحيط، وهو حظر استمرت دول مثل فرنسا وإسبانيا في إعاقته.
عقب قرار المفوضية، اتحد عدد كبير من الفنانين من مختلف أنحاء أوروبا، وحاربوا بألوانهم من أجل وقف هذا القرار، في عمل ضخم شمل كلاً من لشبونة وبرلين وروما وبروكسل وباريس ولندن ومدريد، يقول الفنان أورلينز دلوود، الذي شارك في هذ العمل، لـ"دويتش فيلا"، إنه لم يكن يدرك مدى أهمية هذه المشكلة لبعد المكان عن أعين الناس. لكنه الآن يدرك تمامًا تأثير الصيد في أعماق البحار على الكائنات الحية وعلى البيئة، وحاول نشر هذه القضية من خلال لوحاته، فحين كان يرسم على الشاطئ، كان يبدأ في الرسم ليلاً حين يكون الشاطئ خاليًا من الناس. لكن عندما كان يعود في المساء، كانوا يسألونه عن سبب قيامه بذلك، ليرد قائلًا: "أنا أتكلم نيابة عن المحيط".
لكن للجرافيتي وجها إنسانيا اجتماعيا آخر، سلطّ موقع التليفزيون الألماني "دويتش فيلله" الضوء عليه، فأهم ما يميز فن الرسم على الجدران، هو أنه قادر على تسليط الضوء على قضية معينة، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو حتى بيئية، لذلك يستقطب هذا الفن اهتمام الجمعيات والمؤسسات الخيرية، لأنها أقرب إلى الناس وأكثر شمولية في توجيه رسالتها لكافة الفئات العمرية ولا تحتاج في كثير من الأحيان إلى استخدام عبارات، بل تقتصر على الصور لتوصل رسالتها إلى الجميع، مهما كانت اللغة أو الثقافة.
جمعية "أولى يونج" البريطانية هي إحدى الجمعيات التي ساعدها فن الشوارع، وحملتها لجمع التبرعات لمشروع طبي للأطفال، بمشاركة فنان الشوارع بيسترول، الذي يؤمن أن بإمكانه استغلال الأماكن المهمشة في مدينته ووكينغهام لرسم لوحات تزرع الأمل والنور داخل سكان الحي.
عمل باتريك شيفر، مدير وكالة "دينكفيرك" الألمانية للاتصالات، على تنظيم مشروع يجمع فيه الفنانين لمعرفة قدراتهم وتصنيفهم، وكان المغزى من ذلك هو إعطاء الفرصة للجميع لعمل لوحة جدارية، لكن بعد إجراء هذه التجربة في برلين لمدة يومين، تبين أن اللوحات سيئة للغاية. لذلك كان عليهم طلب رسامين يحترفون الرسم على الجدران، ومن هنا ابتدأ مشروع "بلاكسبوت" في برلين عام 2013 لمساعدة جمعية "أنقذوا الأطفال".
ومنذ ذلك الحين، حدثت موجة إضراب بألوان الرسامين في مختلف أنحاء ألمانيا، تمت إزالتها لاحقا وبيعها في مزاد علني يعود ريعه لجمعيات خيرية. كان لذلك دور مهم في توجه الكثير من محترفي هذا الفن لوكالة "دينكفيرك" وطلب الالتحاق في الحملات، سواء كانت المتوفرة حاليًا أو للسنة المقبلة.
على الرغم من الانتشار الواسع لهذا النوع من الفن وتوجهه لتحقيق أهداف خيرية، إلا أنه، برأي بيسترول، "ما يزال يعاني من سمعة سيئة".
أما فكتوريا جويلونيو، من مؤسسة "بلوم" المعنية بحماية البحار، فترى أن هذا الفن قد لقي معارضة في سنواته الأولى، إلا أنه في وقتنا الحالي يلقى قبولا من المجتمع. كما تشبه جويلونيو هذا النوع من الفن بمخلوقات أعماق المحيطات، إذ إنها جميلة وخلابة رغم عدم تسليط الضوء عليها، لوجود الحيوانات الأخرى المرئية كالأسود أو الباندا.
لا يحصل فنانو الشوارع على أي أموال مقابل عملهم، وهم يرفضون بيعم أعمالهم إلا للتبرع لقضايا إنسانية أو بيئية أو لأي سبب وجيه، لدرجة أن أحد محترفي هذا الفن ما زال مجهولًا حتى اليوم، كما يقول بيسترول، فمن يحرك الألوان هو قلبه، إلا أنه قلق من تحول هذا الفن إلى السياسة، إذ يوضح بالقول: "إذا كنت تريد وضع عبارات سياسية، فامتهن السياسة، لأنني أمارس هذا الفن فقط لأنني أحبه".