45 عاما على ثورة "القذافي".. ومازال الليبيون يبحثون عن دولتهم
"تنفيذا لإرادتك الحرة وتحقيقًا لأمانيك الغالية، واستجابة صادقة لندائك المتكرر الذي يطالب بالتغيير والتطهير، ويحث على العمل والمبادرة، ويحرض على الثورة والانقضاض، قامت قواتك المسلحة بالإطاحة بالنظام الرجعي المتخلف المتعفن الذي أزكمت رائحته النتنة الأنوف، واقشعرت من رؤية معالمه الأبدان، وبضربة واحدة من جيشك البطل تهاوت الأصنام وتحطمت الأوثان فانقشع في لحظة واحدة من لحظات القدر الرهيبة ظلام العصور، من حكم الأتراك إلى جور الطليان إلي عهد الرجعية والرشوة والوساطة والمحسوبية والخيانة والغدر، وهكذا منذ ألآن تعتبر ليبيا جمهورية حرة ذات سيادة تحت اسم (الجمهورية العربية الليبية) ".
بهذه الكلمات بدأ العقيد معمر القذافي مرحلة جديدة في حياة دولة ليبيا التي يعود مسمها إلى قبيلة "الليبيو" التي سكنت الإقليم الواقع في شمال بين مصر وتونس منذ الآف السنين.
انقلاب سبتمبر 1969 أو ثورة الفاتح من سبتمبر، نسبة لإطلاقها في اليوم الأول من شهر سبتمبر، أنهى بها القذافي فترة الحكم الملكي في ليبيا عقب عزل الملك محمد إدريس السنوسني الذي حكم ليبيا قرابة 18 عامًا نصب خلالها نفسه ملكًا للملكة الليبية التي استقلت في 24 ديسمبر1951عن الاحتلال الإيطالي.
الانقلاب الذي قام به مجموعة من الضباط أطلقوا على أنفسهم حركة "الضباط الوحدويين الأحرار" بقيادة الملازم معمر القذاقي، البالغ من العمر 27 عامًا، قامت بالزحف على مدينة بنغازي، واحتلت مبنى الإذاعة والتلفزيون وحاصرت القصر الملكي بقيادة الضابط الخويلدي محمد الحميدي لتستولي على السلطة، وسارع بعدها ولي العهد وممثل الملك بالتنازل عن العرش حيث كان الملك محمد إدريس السنوسي خارج البلاد في رحلة علاج في تركيا.
القذافي الذي استولى على سدة الحكم، وحل الدستور الليبيي، وفرغ الحياة الحزبية من مضمونها جاعلاً من نفسه الصوت الأوحد في ليبيا لمدة تخطت الـ40 عامًا، بدأ مسيرته اشتراكي الهوى، مولعًا بالتجربة الناصرية، فوجد دعمًا كبيرًا من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ليكمل مثلث التوافق الذي كانت قاعدته عبد الناصر في مصر وضلعيه "نميري" في السودان و"القذافي" في ليبيا.
القبيلة هي العنصر الأقوى في هيكل الدولة الليبية التي لم يتعد عمرها 70 عامًا، حكمها القذافي بالحديد والنار وسخر كل مؤسسات الدولة لخدمة أفكاره فأسس نظاما جديدًا للحكم عرف بالنظام "العالمي الثالث" وكان الكتاب الأخضر بديلاً للدستور الليبيي طيلة 42 عامًا، والهيكل الرئيسي هذا النظام يعتمد بشكل أساسي على اللجان الشعبية التي كانت بديلاً عن مؤسسات الدولة في إدارة شؤون المواطنيين.
"ملك ملوك أفريقيا" كما لقبه الأفارقة كان حاكمًا من طراز مختلف فقد كان دائم الدخول في نزاعات مع القوى العظمى في العالم ، فدعم القذافي بالمال والسلاح معظم الحركات المعارضة في أفريقيا، وكان دائم الهجوم على الدول العربية وموافقها من القضايا الكبرى كفلسطين واحتلال العراق، ودعم عمليات عسكرية عديدة ضد دول غربية اهمها حادثة "لوكربي" التي راح ضحيتها 259 شخصًا عقب انفجار طائرة أمريكية في استكلندا غرب إنجلترا أشير فيها بأصابع الاتهام للنظام الليبيي وتم تصنيفه نظامًا "داعمًا للإرهاب".
في خضم الحراك الثوري الذي عرف بـ"الربيع العربي" الذي هبت نسماته على المنقطة في مطلع 2011 عقب ثورتي تونس ومصر انتفض الليبيون رافعين رايات التغيير لإزاحة نظام القذافي فيما عرف بثورة "23 فبراير" التي شهدت معارك عنيفة شنها القذافي ضد شعبه وقتل فيها الآلاف وقصفهم بالطائرات إلى أن تمكنت دول حلف الأطلسي بالتنسيق مع المجموعات المنشقة من الجيش الليبي من الإطاحة بالقذافي وأفراد أسرته وقتله في مسقط رأسه سرت عن عمر ناهز الـ 69 عامًا.
عانت ليبيا صراعًا مسلحًا واسع النطاق اليوم عقب رحيل القذافي في ظل وجود مليشيات مسلحة تملك نفوذًا عسكريًا أكبر من قدرة الدولة الليبية التي انهارت عقب رحيل القذافي فأصبحت ليبيا مسرحًا لصراع إقيلمي عنيف بين الجماعات الإسلامية والمليشيات المسلحة وقوى عسكرية من الجيش الليبيي يقودها اللواء خليفة حفتر.
ليبيا التي تعد أكبر الاحتياطات النفطية في العالم تشتد حدة الصراع فيها في ظل اتساع رقعة الاشتباكات من مدينة لمدينة، ومن حي لحي، ومن مطار لمطار فالسلاح هو العنصر الحاضر بقوة على الأرض ولا مجال لحوار وطني يدعم احتواء الجميع في إطار دولة ديمقراطية حديثة تسوعب الجميع وتضمن لهم نصيبهم من السلطة والثورة وهذا ما دعت له ثورة "23 فبراير" التي قادها ثوار ليبيا للإطاحة بحكم القذافي.