لا يختلف اثنان على جرائم الإسرائيليين والانتهاكات الدموية المتكررة منهم بحق أبناء الشعب الفلسطينى داخل ساحات المسجد الأقصى المبارك، وحالة الصمت المجتمعى الدولى إزاء الانتهاكات التى فاقت كل الحدود بحق الشعب الفلسطينى الأعزل، ولكن الاكتفاء بعبارات الإدانة والتنديد والاستنكار ما عادت تكفى أو تفيد، والشد من أزر المرابطين فى القدس لا يكون بمجرد بيانات وكلمات وخطب حماسية (وإن كان ذلك له أهميته فى موضعه)، ولكن لا بد من إعادة النظر فى قضية المقاطعة للقدس، التى لم نستفد منها شيئاً حتى الآن، بل أضرت بالقضية ضرراً بالغاً.
والدعوة لزيارة القدس مؤيدة بدراسات علمية فقهية، ومؤيدة من عدد من كبار العلماء من مختلف الدول، كالدكتور عبدالله بن بيه، والشيخ تيسير التميمى، والدكتور على جمعة، ومفتى البوسنة الدكتور مصطفى سيرتش، والمرحوم الدكتور محمود حمدى زقزوق، وعدد لا يحصى، ولا يمكن اتهام هؤلاء بالتطبيع.
إن المقاطعة المريرة للقدس والمقدسيين على مدى أكثر من 45 عاماً أوصلتنا لنتائج شديدة الخطورة لا تخدم القضية الفلسطينية، فقد كشفت دراسات موثقة أن نسبة السكان فى 1967م كانت 4 فلسطينيين مقابل 1 إسرائيلى، وبعد عدة سنوات من مقاطعة القدس صار عدد الإسرائيليين 4 مقابل 1 فلسطينى، ونزوح الفلسطينيين من القدس وصل إلى 50%، وتعدت نسبة الفقر 70%، وصار الإسرائيليون يعرضون شراء الأراضى الواقعة حول المسجد الأقصى بعشرة أضعاف ثمنها الحقيقى.
ووفقاً للإحصائيات فإن إسرائيل تُجبى ما نسبته 35% من ميزانية بلدية الاحتلال من السكان المقدسيين فى القدس الشرقية المحتلة فيما يُعرف بضرائب «الأرنونا»، ونفس الإحصائيات تشير إلى أن بلدية الاحتلال تنفق ما نسبته 5% فقط على القدس وسكانها، فى حين تخصص 30% من هذه الأموال لتنفيذ مشاريع عديدة فى خدمة المستوطنات، ولتعزيز الوجود الاستيطانى اليهودى فى القدس المحتلة.
ومن هنا فعلينا التفرقة بين مدّ اليد إلى المقدسيين المرابطين، وهو أمر واجب ومهم، وبين التطبيع مع العدو الإسرائيلى، وهو أمر مرفوض منبوذ، وما زال السؤال المحورى فى القضية الفلسطينية هو: ما البديل؟ لقد جربنا مقاطعة المسجد الأقصى فزاد التهويد، وبناء المستوطنات؟
والحديث عن انتظار دخول المسجد الأقصى وهو محرر عبارة عن ضرب من الخيال؟ وإذا كان الإسلاميون يرون أن الخيال هذا محقق مع وصولهم للحكم فهذا هو بعينه التلاعب بعواطف الجماهير، وقد قامت التيارات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان بإرسال رسائل واضحة لأمريكا لتطمئنها على استمرار الوضع كما هو فى فلسطين.
إن الدعوة لزيارة القدس اجتهاد معتبر، ووجهة نظر توازن بين المصالح والمفاسد، ولا سبيل إلى حماية المسجد الأقصى والدفاع عنه إلا أن يكون تحت الحماية الشعبية من المسلمين شرقاً وغرباً، وهذا يتم بالتوافد المستمر الكثيف من جموع المسلمين فى مختلف أنحاء العالم إلى المسجد الأقصى لزيارته، وعمارته، وشد الرحال إليه -كما فى الحديث الشريف- ودعم المقدسيين هناك، ومساعدتهم على شراء الأرض.