فى البداية لم أكن أصدق عينىّ، رغم اكتمال الملامح، ومرور بصمة الروح إلى عقلى الواعى، لأنطق فى تزامن مع من تحلقوا حول شاشة الليلة الأولى من ليالى رمضان: أهلاااااا شريهان؟!
اختلطت صيغتا الاستفهام والتعجب، مع تبادل النظرات المبهجة، وتمرير التهانى النفسية بضحكات العيون، كأصوات حبيسة فجّرها باعث نفسى واحد، وهو عودة قبس من نور الزمن الجميل، الذى انطوت صفحاته بفعل فاعل، لم تعثر عليه مباحث الذوق العام، منذ اختفائه من شاشات التليفزيون، وفضاءات الصحف القومية والخاصة، لتحل محله مهرجانات تغربل الذوق العام بطلقات النشاز و«قلة القيمة».
كان صوت شريهان وإيقاعها المنسى فى ثنايا الأرواح المسكونة بعبق الزمن الجميل، مبشراً وواعداً بعودة الروح بعد انكسارها وخسوفها خلف غيوم القبح، الذى طال أمده جاسماً على قلب الذوق العام، وحاسماً لقضية الرخص التى سادت الصحافة والإعلام والفن بشقيه، السينما والدراما التليفزيونية، وأيضاً عالم الموسيقى الذى استحله نجوم «الرزع والردح».
الحكم على فنون الزمن الجميل بالإعدام، منذ نحو 10 أعوام، تسبب فى طفح عشوائى لمتنطعين استهدفوا «التريند» على السوشيال ميديا، ليحصدوا الملايين التى فاقت أمانيهم وتصوراتهم، حتى استرخصوا المال والرزق، ومعه البشر، ليحل هرمون «التيستوستيرون» محل النخوة فى أجسادهم، لنفخ عضلات زائفة فوق أجساد زينتها برامج السيليكون فى إخراج مشاهد العنف الجديدة، «لتفرّخ» عبده موتة، وزلزال، والأسطورة، والألمانى، ولتظهر الشخصية الأخيرة فى هيئة «موسى» العصى على الذئاب، ومعه موجة من التنافس فى مضمار البلطجة «بملوك الجدعنة»، ثم «النمر»، وغيرها.
الجديد المؤسف، هو انتقال رموز فنية جديدة كانت واعدة، حينما استلهمت خفة روح «ملك الترسو» وشراسة محمود المليجى محدَّثة فى ثوب عصرى، وأعتقد أن «التريند» المالى كان دافع الانفلات من حلقة الوصل الأخيرة مع ملوك الزمن الجميل، لتكون حلبة الجدعنة إضافة جديدة، لزيادة عدد الشباب الذين تحصد السيوف أعناقهم يومياً، وتستقبلهم أقسام طوارئ المستشفيات فى عموم الريف المصرى.
لم تظهر شريهان فى تاريخها السينمائى أو المسرحى أو الدرامى، وأخيراً الاستعراضى، فى مشهد يعكس عنفاً، ولم تخل جملة لها من إيقاع طبيعى هادئ لصوت يجمع بين الرخيم والفخم، المغلفيْن بدلال غير مصطنع لتأسر قلوب الرجال والنساء، شباباً وكهولاً، ولتصبح عودتها متزامنة مع عودة مدفع رمضان من قمة القلعة بعد 30 عاماً من توقفه وإذاعته مسجلاً.
نعم عادت شريهان إلى شاشة رمضان من خلال إعلان استعراضى، وسيصبح الإعلان على السوشيال ميديا شاهداً جديداً على استعداد الزمن الجميل للبعث تلقائياً، منفجراً من الأعماق التى أظلمها القبح العمدى، ليصوّب برقة بالغة سهام العذوبة والجمال إلى العضلات المصطنعة، والأجساد التى تسوّق عرى مستثمريها، سواء حصدوا الملايين من فن التلويح بالسيوف، أو «الشقلبة» أو خفة «ملوك الجدعنة».
ليس أدل على أصالة شريهان أكثر من رسائل الشكر، التى وجهتها فى سيناريو الاستعراض الإعلانى، لجمهور خشيت أن يكون قد نساها، لتكتشف هى نفسها أنها لم تكن جمرات تحت الرماد، بل منجم ذهب لا يصدأ أبداً، كما وصفها بعض عشاقها على السوشيال ميديا.
يبقى أن نعترف لشريهان بقدرتها على استحصال حقها الكامل، ومن خلال إعلان أبدعت هى فى رسم السيناريو الخاص به، ليكون عملاً فنياً يصنّف «فيلماً» تسجيلياً يعكس قصة الكفاح والإصرار على النجاح، ليس نجاح العودة للشاشة والجمهور والبيوت المصرية والعربية فقط، بل هزيمة مأساتها الصحية لتعود كفرس رهان أصيل يهدد خريطة الابتذال السائدة، و«قرود» الزمن الردىء.