50 سنة خدمة في رمضان.. «السنوسي» أقدم مسحراتي بالأقصر: وصية أبويا
مسحراتي رمضان
يجوب الطرقات سيرًا في جوف الليل، يصدح بصوته الأجش، ينادي عباراته المعتادة ويدعوا بصلاح الحال، فيسمع صداه في الإركان، حاملا في يده عصا قصيرة وطبلة صغيرة، يقرع بها ينبه بها سكان المنطقة بموعد السحور، مهنة ورثها عن والده ويعشقها وبها يشعر بروحانيات الشهر الفضيل.
في محافظة الأقصر بجنوب مصر، يعيش حماد السنوسي، قضى أكثر من ربع قرن في العمل بمهنة «المسحراتي»، فظل متمسكًا بها رغم الاندثار الكبير الذي تعاني منه المهنة خلال الأعوام الماضية، فينادي على المواطنين بأسمائهم خلال جولاته في شوارع المدينة، يوقظهم بهدف تناول وجبة السحور، وفي المقابل يحصل على الهدايا والعطايا المادية والعينية.
«حماد»: أبويا وصاني بمزاولة المهنة
61 عامًا تلك هي سنوات عمره، بداية عمله في تلك المهنة وهو في مرحلة الطفولة، حين كان يرافق والده خلال شهر رمضان، لإيقاظ الموطنين في موعد السحور، ليتعلق قلبه بها لما يلاقيه من حب الناس لها، وبها يشعر بروحانيات الشهر المبارك، مضيفًا لـ«الوطن»: «والدي قبل ما يموت وصاني أني مسبش المهنة دي، وأنا فيها بلاقي بنفسي وبحس أني بعمل حاجة مفيدة ومهمة».
بداية ظهور المسحراتي كان في عام 228 هجريًا، وظهرت بالدولة الفاطمية، وكان عتبة بن إسحاق، هو أول من عمل بها، حيث كان يمشي مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي الناس بالسحور، وكذلك هو أول من أيقظ الناس على الطبلة، تلك الرواية التي أجمع عليها المؤرخون وذكرت في كتاب «دليل الأوائل» للدكتور عمرو مرزوق.
«السنوسي»: بردد التواشيح والأغنيات الدينية
«السنوسي» لم يكتفِ بالنداء على أسماء سكان المنطقة لإيقاظهم، بل يردد التواشيح والمواويل التي حفظها عن والده وبعض الأبيات الصوفية ليشدوا بها مستعينا بالدف الذي يحمله: «والدي كان بيردد تواشيح كثيرة جدا منها للنقشبندي وغيره من المشايخ الكبار»، وهي ما تنال إعجاب المواطنين ويتفاعلون معها في كثير من الأحيان من النوافذ أو المارين في الطرقات.
لم يحتاج الرجل الستنيني إلى التعرف على أسماء سكان المنطقة، فهو يعمل يجوب بها منذ أعوام طويلة، يعرفهم ويعرفونهم، فخلقت بينهم حالة صداقة وود: «لما بتعب بيسالوا عليا، وفي غير رمضان بلاقيهم بيجولي البيت يطمنوا عليا، مهنة المسحراتي لسة الناس بتحبها وبحترم اللي بيشتغلها»، لذا يحرص على اصحطاب أحفاده معه ليروا كيف تقدره الناس اصحاب تلك المهنة.
طوال عمل «السنوسي» في تلك المهنة التى تجاوزت ربع قرن لم يطلب مبلغًا محدد من أي شخص، وأنما يتركها دون تحديد أو طلب وفقا لكل شخص واستطاعته، «عمري ما طلبت مبلغ محدد من شخص، أو طلبت من حد فلوس، بسيب كل واحد وراحته وحسب مقدرته، وفي ناس مش بيبقي معاهم فلوس بنادي عليهم عادي جدا كل يوم»، فرمضان بالنسبة له فرحة وهو أحد أسبابها للشعور بذلك الشهر.