فى غرفتهما الخاصة، ووسط أسرة مترابطة دافئة يعيش «بوجى وطمطم» فى سلام، بعد أن اختارا العزلة وودّعا الشاشة برحيل أبيهما الروحى «محمود رحمي»، فكانت جدران بيته حصنهما وأمانهما، ينعمان داخلها بالاهتمام الوافر، والحب اللامحدود، يراقبان الأحداث ومتغيرات المجتمع فى صمت، ويستعيدان ذكرياتهما فى شهر رمضان.
20 عاماً مضت على آخر موسم لأشهر مسلسل عرائس مصري فى الوطن العربي، ومن وقتها أبت فوقية رحمي، أرملة «رحمي» وشريكته فى العمل الناجح، أن تظهر عائلة «بوجي وطمطم» فى عمل لا يرتقى لقيمتها وقدرها فى نفوس أجيال عديدة، واختارت أن تحتفى بها وتُقدرها بطريقتها الخاصة، واضعة قواعد شديدة الصرامة فى الاقتراب من العرائس والتعامل معها، وأولها «ممنوع اللمس».
«صباح الفل يا بوجي.. عاملة إيه يا طمطم؟»، هكذا اعتادت «فوقية» أن تبدأ يومها صباحاً، تنظر إليهما وقلبها يخفق كعادته على مدار 38 عاماً، منذ أن ولدا على يديها فى عام 1983، حتى سيطرا على كل كيانها: «بيجروا فى دمى.. بكلمهم وفيه تواصل بينا، لدرجة إن رحمي كان بيغير منهم».
عبقرية محمود رحمي، فى رأى زوجته، أنه اختار فناً صعباً وهو فن الطفل، كيف نربى الأطفال على الوجه الأمثل، وهذا لا يستقيم إذا اعتادوا مشاهدة الكرتون الأجنبي، وارتبطوا بعرائس «ميكي ماوس» وغيرها: «رحمي عمره كله كان مع الأطفال، اجتهد لكى يزرع بداخلهم الانتماء للوطن، وتهذيب أذواقهم، كل الحلقات كانت لها رسالة وبها معلومة، لا أنسى الطفل نوبى الذى كان يظهر فى تتر المسلسل ويردد القسم الفرعونى أنا لا ألوث نهر النيل، ودائماً كان رحمي يقول إن أكثر الأطفال احتياجاً له الموجودون فى الريف والفقراء».
كما كان لـ«رحمي» مشروع «لعبة الطفل» فى التسعينات، وينوى تنفيذه فيكون لكل طفل دميته يتفاعل معها وينام بجوارها، لكن المشروع كان يحتاج إلى تمويل كبير: «استعان بمنتج وأخذ بوجي وطمطم إلى الصين لتنفيذه، وفوجئنا بنتيجة بشعة، حزنا وصمتنا، ومرت السنوات حتى توفى فى ٢٠٠١ فى يوم عيد ميلاده».
18 موسماً تم عرض المسلسل الشهير فيها، ولا يزال صداها فى الشارع، فما إن يهل الشهر الكريم، حتى يكون «بوجي وطمطم» فى الشوارع والشوادر والبيوت وعلى الجدران، باعتبارهما جزءاً أصيلاً من روحانيات رمضان، رغم التشوه الذى طالهما بتصنيعهما «تحت بير السلم»، لتحقيق أرباح: «صغار التجار بيسترزقوا، وبقول تعتبر صدقة على روح رحمى، لكن لما أكبر تاجر لعب أطفال يسافر الصين وينتج بوجى وطمطم ويكسب ملايين، دون مراعاة لحقوق الملكية الفكرية، فلا يجوز، لذا رفعت دعوى قضائية ضده».
محاكاة عرائس «بوجي وطمطم» بشكل مشوه ربما تتقبله «فوقية»، بينما ترفض بشكل قاطع المساس بسيرتهما ومحاولة البعض استغلال نجاحهما فى أعمال حديثة تنتقص من قدرهما، وهو ما يفسر مقاضاتها لبرنامج «شكشك شو»، الذى أظهر شخصية «عم شكشك» على عكس طبيعتها فى المسلسل: «معقول شكشك بيعاكس السيدات، وألفاظه سيئة؟!»، فى الوقت الذى تكفل هى «عم شكشك ووالده» بعناية خاصة، لأن «رحمي» نحتهما بيديه.
تقدير فوقية رحمي لقيمة ما بحوزتها من كنز جعلها ترفض أيضاً ظهور «طمطم» كضيفة فى برنامج «أبلة فاهيتا»: «فى بداية ظهور البرنامج، الإنتاج كلمني وطلب منى أن تكون طمطم ضيفة فى حلقة، فرفضت تماماً.. إيه أبلة فاهيتا اللى طمطم تقابلها، كمان فاهيتا موجهة لجمهور الكبار، أما بوجي وطمطم للأطفال»، ولا تنكر أنها تتمنى أن تقدم «طمطم» برنامجاً، ولكن بنفس قدرها وفلسفة الشخصية التى ظهرت فى المسلسل.
تعود «فوقية» بالذاكرة للوراء، تحديداً فى 1990، حين توفى المخرج العبقرى فهمي عبدالحميد، وعُرض على «رحمي» عمل فوازير، وكان متحمساً لها، لكنها عارضته: «قُلت له فوازير إزاى، ومين يعمل بوجي وطمطم؟ فاقتنع واعتذر عنها»، وترى أن سر بقاء أعمال عظماء أمثل رحمى وفهمى عبدالحميد وصلاح جاهين إلى الآن هو الإخلاص: «يا فنانين الفلوس مش كل حاجة.. رحمي وفهمى عبدالحميد كانا يتقاضيان أجراً بسيطاً، لكن فنهما حاضر إلى الآن».
أى دولة تفكر فى التقدم لا بد أن تهتم بالطفل، هكذا تؤمن «فوقية»، وللأسف منذ عام 2001 لا توجد مادة تقدم للطفل: «لم تعد هناك إدارة أطفال فى ماسبيرو، ولا تهتم بهم شركات الإنتاج، شركة مؤخراً تواصلت معنا، وأتمنى استغلال ما أملك من كنز، لكن لا بد من كاتب شديد التمكن والرقى حتى يتمكن من الكتابة لبوجي وطمطم».
تعليقات الفيسبوك