ارتباك شديد أصاب السياسيين فى منطقتنا بعد توالى أنباء عن توقيع اتفاقية للتعاون بين الصين وإيران تمتد لمدة 25 عاماً قادمة.. كيف يحدث ذلك والمفاوضات السرية ساخنة على طاولة إحدى الدول الأوروبية بين أمريكا وإيران لعودة أمريكا إلى الاتفاق النووى وإلغاء بعض العقوبات المفروضة من ترامب على إيران؟
ولماذا وافقت إيران فجأة على العرض الصينى الذى ماطلت طهران طوال الـ4 سنوات الماضية فى التفاوض حوله منذ عرضه الرئيس الصينى شى جينيانج أثناء زيارته لطهران فى يناير 2016، حين قرر مع الرئيس الإيرانى روحانى تعزيز العلاقات بين البلدين؟
وهل بهذه الاتفاقية انتهت الشراكة المخفية بين أمريكا وإيران والتى تضخمت فى حرب أمريكا فى أفغانستان 2002 ثم بالعراق 2003 والممتدة حتى الآن فى العراق؟ وهل تقتنص الصين موقعاً هاماً ومؤثراً فى منطقة الخليج العربى التى تُعد منطقة نفوذ أمريكى مستقر عبر الزمن؟ وهل تقارب السعودية مع الصين يسير فى اتجاه دعم الوجود الصينى فى منطقة الخليج نكاية فى تصريحات أمريكية ضد قيادة سعودية؟
أسئلة كثيرة بعضها له تفسير وأسئلة أخرى ما زالت بلا أجوبة واضحة.
الاتفاقية الصينية الإيرانية لم تعلن رسمياً، ولكن بنودها نشرتها قبل عامين (صيف 2019) مجلة بتروليوم إيكونيميست اللندنية.. وفى الوثيقة أن الصين خلال 25 عاماً ستستثمر 280 مليار دولار فى صناعة النفط والغاز، و120 مليار دولار فى صناعة النقل والموانى الإيرانية.. وسيصاحب الاستثمار الصينى تخفيض إيران لأسعار النفط والغاز والمنتجات البترولية الإيرانية المصدّرة للصين بنسبة 32% مع فترة سماح لعامين فى تسديد الثمن.. وسيوجد 5000 فرد من قوات الأمن الصينية على الأراضى الإيرانية. ونشرت الصحف الإيرانية والصينية عن اللقاء الأخير لوزيرَى الخارجية فى البلدين أن الاتفاقية زادت قيمة الاستثمارات الصينية إلى 450 مليار دولار وتشمل التعاون فى المجالات السياسية والاقتصادية والتقنية والتعاون الدفاعى والعسكرى ومناورات عسكرية مشتركة.
وعلى الرغم من الضجيج الذى أثارته الاتفاقية الصينية الإيرانية نرى أنها ما زالت مقترحات ولم تُعرض على البرلمان الإيرانى، ولم تُقر من الحزب الحاكم فى الصين، ولم نرَ إجراءات تنفيذية واضحة لها، ونرى أن إيران غاضبة جداً من حصار أمريكا لها بالـ720 من العقوبات ونكث ترامب بوعود أوباما عن الاتفاق النووى.. وأن الصين وجدت فى إيران فرصة ذهبية للحصول على البترول والغاز بسعر منخفض، وتريد بكين أن تتحدى أمريكا فى منطقة نفوذها التقليدية.. ولكن إيران والصين تعلمان أن المؤسسات المالية والبنوك فى العالم تتحكم فيها أمريكا عبر الدولار، وهو ما يفرض معوقات كثيرة تتحكم فى مصير هذه الاتفاقية.. ولا ننسى أن المعارضة فى إيران بقيادة أحمدى نجاد ترفض المعاهدة الصينية على خلفية طول الفترة الزمنية، 25 عاماً، والامتيازات الصينية الضخمة فى إيران وبخاصة فى الموانى والطرق.
إن التقارب الصينى الإيرانى، حتى لو كان مناورة سياسية، ينبّه إلى أن متغيرات كثيرة يمكن أن تحدث فى منطقتنا فى الفترة القادمة.