بخط يده.. حكايات كمال الجنزوري مع مبارك ورجاله والإسرائيليين
الدكتور كمال الجنزوري
توفي الدكتور كمال الجنزوري، رئيس وزراء مصر الأسبق، بعد صراع طويل مع المرض، بمستشفى القوات الجوية، بالتجمع الخامس، بالقاهرة، عن عمر ناهز الـ88 عامًا، شغل العديد من المناصب والمسؤوليات منها وصوله إلى رئاسة الحكومة مرتين، وحظي بالعديد من الألقاب أبرزها «وزير الفقراء»، إلا أن مسيرة الرجل مليئة بالأسرار والحكايات التي أفصح عن بعضها في مذكراته الشخصية التي نشرتها دار «الشروق» بعنوان «طريقي».
المذكرات التي كُتبت بخط يد الدكتور كمال الجنزوري، شملت قصص عن عبدالناصر والنكسة والسادات ودهاءه ومبارك ورجاله.
قصة الجنزوري والإسرائيليين يوم 5 يونيو 1967
وعن نكسة 1967، يقول الجنزوري، إنَّه كان في العام الدراسي الأخير له بأمريكا عام 1967، للحصول على درجة الدكتوراه، وكانت امتحاناته مقرر لها يوم 5 يونيو 1967 وأدى الامتحان التحريري ثم الشفوي وأعلنت النتيجة في نهاية اليوم، وكانوا ثلاثة أجانب وأربعة أمريكان، الأجانب هم النيجيري جون أبولو الذي أصبح وزيرًا للمالية في نيجيريا، وفرانسس فانجيج أرجنتيني وأصبح وزيرًا للاقتصاد في بلده فيما بعد، وهو الثالث، أما الأمريكان الأربعة منهم بن ديفيد إسرائيلي، وأعلنت النتيجة ونجح هو والنيجيري والأرجنتيني ورسب الباقون.
وحينما عاد لشقته ليخبر زوجته فوجئ برقص أمام شقته والشقة المجاورة، رقصة الدبكة الشهيرة في بلاد الشام، ولاحظ أن بينهم بن ديفيد فتركهم ودخل الشقة وأغلق الباب واستمع للتلفزيون وكان المذيع هو المعلق الشهير وولتر كرونكايت يعلن أن الحرب بين إسرائيل والعرب بقيادة مصر بدأت وانتهت خلال 6 ساعات بهزيمة العرب ومصر وانتصار إسرائيل، وأن الجيش المصري بدأ في الانسحاب العشوائي تاركًا سيناء، ليبكي الجنزوري كما لم يبك من قبل، وعندما خرج وجد الإسرائيليون يرقصون وابتعد عن مسكنه حتى غادر الإسرائيليين المنطقة.
مرت الأيام حتى يوم 9 يونيو 1967 حينما سمع الرئيس عبدالناصر يعلن التنحي، يقول عن ذلك: «كان يومًا تعيسًا حزينًا لن أنساه أبدًا، فمازلت أذكر يوم 5 يونيو، وسأذكره كدرس مستفاد لابد من الحرص دائمًا ألا يتكرر».
الجنزوري عن السادات: لديه فطنة سياسية
أما عن السادات، يقول الدكتور كمال الجنزوري إنَّه في عام 1976 فتح الله عليه، إذ عينه الرئيس السادات ولم يتخط الأربعين من عمره محافظًا لمحافظتين متتاليتين، ثم نائبًا للوزير ومدير لمعهد التهطيط القومي، واصفًا السادات بأنَّ «لديه فطنة سياسية تربت على مدى سنوات حياته وتقلبه بين النخبة العسكرية والمدنية تارة وفئات الشعب المختلفة تارة أخرى، مما جعل منه شخصية تملك القدرة على الفهم والقصد والمناقشة والمفاوضة والخطابة واتخاذ القرار المناسب في وقته».
الجنزوري يكشف سر عدم اختيار مبارك نائبا لرئيس الجمهورية
يذكر الجنزوري، في مذكراته، أنَّه في عام 5 أبريل 1983، كان وقتها وزيرًا للتخطيط، وتلقى مكالمة من رئاسة الجمهورية في مكتبة بمعهد التخطيط القومي للذهاب لقصر القبة، وبعد وصوله دخل وزير الدفاع المشير عبدالحليم أبو غزالة الذي وصفه بأن به صفات عامة وخاصة تكفل له دخول قلب كل من يتعامل معه على الفور، فهو رجل عميق الثقافة في مختلف المجالات العسكرية والسياسية بل والاقتصادية، كما أنه دمث الخلق واضح ومستقيم اللغة ثابت على أفكاره لا يراوغ، ثم جاء رئيس الوزراء الدكتور فؤاد محيي الدين وتفاجئ بهما، وكان اللقاء مفاجئة للجميع وفي الواحدة ظهرًا ذهبوا الى الشرفة المطلة على بوابة القصر الغربية وكانت المائدة جاهزة لتناول طعام الغذاء وفجأة دخل الرئيس مبارك ومع المستشار النمساوي برونو كرايسكي ورجال الأعمال الأمريكي كالاهان اليهودي الديانة، وبدأ الحديث عن قضية الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.
وعلم بعد ذلك الجنزوري، أنَّ اللقاء كان من أجل اختيار نائب للرئيس، مشيرًا إلى أنَّ مبارك في تلك الأعوام الأولى من رئاسته كان يبحث عن نائب له وكان يسأل كل من يثق فيه عن ذلك، إلا أن مسؤولا لم يذكر اسمه، قضى على تلك الفكرة، حين قال للرئيس إنه ستحدث مقارنة بينه وبين نائبه منذ اللحظة الأولى، وسيتابع الشعب أداؤكما معًا ويعقد المقارنات.
الجنزوري وعلاقته مع صفوت الشريف
يحكي الجنزوري، أنَّ صفوت الشريف ابتكر ما يعرف بـ«عيد الإعلام» يوم 31 مايو 1984 ومنذ اليوم الأول كان الشريف يحضر الاحتفال فقط بحضور رجال الأعمال دون رئيس الوزراء منذ حكومة فؤاد محيي الدين وحتى 1996، حين كان الجنزوري رئيسًا للوزراء، ما جعله يقول للشريف: «هذا ليس إعلام قطاع خاص بل إعلام دولة ولابد من حضور رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي الشعب والشورى وبعض الوزراء»، منوهًا إلى أنَّ محيي الدين ذهب لمقر الاحتفال في مبنى الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو دون دعوة وكان وقتها مريضًا بنوبة قلب خطيرة وتوفي بعدها بأربعة أيام.
الوشاية تبعد الجنزوري عن رئاسة الحكومة عام 1986
يواصل الجنزوري في مذكراته، أنَّه في 1986 قرر مبارك تغيير وزارة علي لطفي وطلب منه تشكيل الوزارة واعتمد قرار التكليف، إلا أنَّ الذي حدث أن تدخل الدكتور رفعت المحجوب والدكتور يوسف والي والدكتور أسامة الباز، محذرين من صعوبة التعامل معي، واتخاذ القرار دون الرجوع للرئيس وأنني كمرؤوس لست سهل الانقياد، مشيرًا إلى أنَّه حدث أكثر من هذا عندما تولى رئاسة الوزارة وشهد الجميع لهابالنجاح لمدة 4 سنوات متتالية واستمع الى البعض فيما املوه كذبا ورغم تأكّده بعدم صحته غضب عليه مبارك غضبة لم تلحق بأي رئيس للوزراء قبله أو بعده.
الجنزوري ووزراء سوزان مبارك
يشير الجنزوري، إلى أنَّ بعض الوزراء كانوا يغيبون عن اجتماع الجلسات الأسبوعية لمجلس الوزراء من أجل أن يكونوا بصحبة حرم الرئيس مبارك السيدة سوزان مبارك، ليخرجوا معها في جولاتها، ما جعله يطلب من مدير مراسم مجلس الوزراء الاتصال بمكتب حرم الرئيس وإبلاغها الرسالة التالية: «هل نلغي اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي أم نؤجله أم نقلل عدد الوزراء المصاحبين لها في جولاتها؟» وكان رد السيدة سوزان غاضبًا: «خلاص مش عايزة حد»، إلا أن الجنزوري قال: «الحق أنها لم تفعل شيئا معلنًا مضادًا أو مترتبًا عن هذه الرسالة ولا فعل الرئيس ولا أحسست أنها أوصت بذلك كما أنني لم أسع لاسترضائها لأنني لم أفعل سوى الصواب بل وشعرت بالراحة لانني فعلت ما يجب أن أفعله».
الجنزوري وصدامه مع جمال مبارك
كان هناك اجتماعًا لما يسمى أعضاء مجلس مبارك «آل جور» ويتكون من 15 عضوًا من كل الجانبين المصري والأمريكي، وكان ضمن المراسم أن يجلس جمال مبارك على يمينه،إلا أنه رفض ذلك وجعله يجلس في آخر القاعة وفقًا للبروتوكول، ولم يحضر طوال فترة رئاسته للوزارة جمال مبارك أي لقاء آخر بعد ذلك، إلا اجتماع كان محددًا لمناقشة الأزمة الاقتصادية، دعا إليه الرئيس وطلب الرئيس من الجنزوري حضور اللقاء، قائلًا: «جمال يحب أن يسمع هذه المناقشات فهل يحضر، فقلت طبعًا وحضر جمال وكان مجرد مستمع لا مناقش».
قصة الجنزوري ونعي شقيقة كمال الشاذلي
يروي الجنزوري، أنَّ شقيقة كمال الشاذلي توفيت، فطلبت أن ترسل برقية عزاء وسأتصل به عندما أعود للمكتب أواسيه، ألا أني فوجئت في اليوم التالي بنعي في جريدة الأهرام باسمه، فأحلت من ساهم في الأمر للمساءلة حتى طلبه الرئيس، وقال له: «لا داع للتحقيق وخلاص النعي تمّ، وأعتقد أنَّه لن يتكرر ثانية، وبناءا على ذلك أوقف التحقيق»، مشيرًا إلى أنَّ الرئيس مبارك حذره في أحد المرات قائلا: «إنني أخاف عليك من كمال الشاذلي ويمكن أن يشكل لك الكثير من المشاكل داخل المجلس».