ماذا لو فض اعتصام رابعة سلميا؟
أكثر من 800 روح صعدت على مدار يوم كامل إلى السماء على فترات متباعدة، ربما هم في حال أفضل مما كان ينتظرهم في الدينا، فما يلبث الشعب المصري أن يتخلص من كارثة حتى تلاحقه أخرى، منذ يوم الفض، ولم تعد الأمور كما كانت، بل إن المشاهد الدموية التي كانت تؤرق أغلبية الشعب المصري في العراق أو فلسطين، أصبحت على بعد شارع أو محافظة.. عدد من المفاوضات الفاشلة، أثناء اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، أدت جميعها للحل الأمني، واستخدام مفرط للقوة في عمليتي الفض، وخسارة مئات الأرواح من المعتصمين، ورجال الشرطة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه عقب عام من الفض، ماذا لو أن المفاوضات السلمية نجحت قبل استخدام القوة.. ماذا لو أن التعنت من قبل الطرفين لم يكن موجودًا من الأساس وكانت الأفكار أكثر سلاسة.. ماذا لو أخذ قيادات الإخوان على عاتقهم بعض التنازل في المفاوضات من أجل سلامة المعتصمين، عدد من الأسئلة يجاوب عليها بعض الخبراء السياسيين.
"كان المشهد السياسي هيختلف تمامًا"، هكذا لخص الدكتور وحيد عبدالمجيد، حال مصر إذا فُض اعتصام رابعة بطريقة سلمية، ذلك اليوم الذي يعد علامة فارقة في التاريخ المصري المعاصر، فقد رجح عبدالمجيد، عودة الإخوان داخل الحياة السياسية وفق ضوابط يتم الاتفاق عليها، وصيغة معينة لا يخرجون عليها، ووصف عبدالمجيد الحياة السياسية بأنها كانت ستصبح أكثر حيوية وتفاعل وتنوع مما هي عليه الآن.[FirstQuote]
وأكمل القيادي السابق بجهة الإنقاذ حديثه لـ"الوطن"، قائلا، إن المعتقلات كانت ستكون فارغة، إلا من شارك في خراب مصر، وحمل الإخوان المسؤولية الأولى عما حدث لهم في الاعتصام، مضيفًا أن ذلك نتيجة تجاهل مفاوضات طويلة دولية وعربية استمرت لأكثر من شهر، للوصول لحل وسط، ولكنهم رفضوا وكان عليهم أن يتوقعوا أن الفشل في الحل السلمي سيؤدي لنقيضه.
"كان هناك تعنت واضح من قبل الطرفين أدى لتوسيع الخلاف، وموت أكثر من 800 روح يتحمل مسؤوليتها كلا الطرفين"، يفصل المهندس طارق الملط، عضو مجلس الشورى السابق، الأسباب التي أدت لاحتقان الشارع في الوقت الحالي، والسبب الرئيسي في فشل المفاوضات التي جرت بين الطرفين للوصول لحل سلمي.[SecondQuote]
"كان هيكون في تحقيقات موسعة لكل الأحداث التي سبقت رابعة العدوية، مثل أحداث الحرس الجمهوري الأولى والثانية أحداث المنصة"، يوضح القيادي السابق بالتحالف الوطني لدعم الشرعية، أن السجون في حالة فض رابعة والنهضة بشكل سلمي، ما كانت لها أن تكون مكتظة بالمساجين والمعتقلين السياسيين، "الإخوان كانوا هيبقوا جزء من الشارع السياسي، ومكانوش هيتحاربوا"، وأكمل أنه بعد فض الاعتصام بالقوة تم شيطنة وإقصاء فصيل بالكامل، لتبرير أعمال العنف ضده.
على الرغم من الأضرار التي يعاني منها الإخوان في الوقت الحالي، جراء فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقوة، إلا أن الدكتور أيمن الصياد، المستشار السابق للرئيس المعزول محمد مرسي، يرى أنهم المستفيد الأول من الأحداث الجارية، "كانوا أضعف مما هم عليه الآن، فقد تحولوا من الجاني إلى الضحية"، وأضاف الكاتب الصحفي "ما جرى في رابعة ساعد الإخوان دبلوماسيًا كثيرًا لأن يغيروا موقفهم".[ThirdQuote]
"مازلنا ندفع وسندفع ما جرى قبل عام، المشهد السياسي المصري أمام العالم، في حال فض رابعة سلميا، كان هيبقى أفضل 100 مرة"، يوضح الصياد، أن السياسة المصرية الدبلوماسية أمام العالم في الوقت الحالي ليست على ما يرام، خاصة وأن جماعة الإخوان التي فشلت سياسيًا وكانت ضعيفة دبلوماسيًا، أصبحت أمام العالم أقوى.
أوضح كمال الهلباوي، العضو المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، أن اعتذار الإخوان للشعب عما بدر منهم، وتقبل نتيجة ما فعلوه ورئيسهم سياسيا، وفض اعتصامهم دون تدخل أمني، كان من شأنه أن يجمل الصورة حاليا لتصبح مختلفة في جميع النواحي المعيشية، منها السياسية والاجتماعية، ولأصبح للإخوان وجود في الشارع.
"بالتأكيد شكل القيادة كان هيختلف"، يوضع عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أن المشاركة الإخوانية في الشارع كان سيكون لها وزن فعال، من شأنها تغيير الرموز السياسية في مصر في الوقت الحالي، لولا فض الاعتصام بشكل غير سلمي، وأكد الهلباوي إذا فض الاعتصام بشكل سلمي، لكان الإخوان، الآن مفيدين لأنفسهم، والمجتمع وأصبحوا مشاركين في بناء التيار الإسلامي.
أما عمرو علي، المنسق العام لحركة شباب 6 أبريل، فله أكثر من رؤية حال فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، بشكل سلمي، وقال إن هناك 3 تغييرات رئيسية كان سيشهدها المجتمع السياسي والشارع، أولها أن حالة الاستقطاب الذي اتخذها المجتمع الفترة الماضية، والتي وصلت حتى للمواصلات والبيوت، "زي الجار اللي بلغ عن جاره، والأم اللي بلغت عن ولادها"، كان سيختفي تماما، ولن تخرج حالة الاختناق في المجتمع، عن التنظيرات السياسية بين مؤيد ومعارض التي بدأت بعد 25 يناير، أما حالات التكفير والتخوين والفتاوى المغلوطة، ما لها أن تكون موجودة.
ويكمل عمرو حديثه، مؤكدا أن الدم الذي سال، كان من شأنه أن يحقن، وبالتالي كانت حالة الخصومة الثأرية، بين فصيل سياسي متمثل في الإخوان المسلمين، والشرطة، كان سيختفي تماما، وبالتالي حال أفضل للمجتمع، دون انشقاقات.
وعن مبادئ ثورة 25 يناير، يوضح المنسق العام، للحركة التي دعت للثورة، أنه في حالة فض الاعتصام بشكل سلمي، كانت تلك المبادئ ستترسخ بشكل أقوى، وسينزل الناس للمشاركة السياسية، بناء على فهم ووعي، كما دعت الثورة، وليس مع فصيل ضد آخر "زي ما شفنا في الانتخابات الرئاسية، واستفتاء الدستور"؛ ويسترسل، متحدثا عن فصيل وسطي، يقف حائرا بين جانبين متضادين، كلما شجب فعل محسوب على السيسي أعده الناس إخوانا، وإذا نعى شهداء الشرطة، خونه آخرين للعمل تجاه فصيل معادي.
"اتحرمنا من المشاركة الثورية اللي بنحلم بيها"، يوضح عمرو أن النزول للشارع لأخذ الحقوق، أو التعبير بحرية عن رأي معين، قد حرم منه الشعب المصري، بعد أن أصبحت هناك عداوة من فصيل ضد آخر، ما جعل "المنتصف" مهضوم حقه ومحروم من ثوريته.
"الإخوان ماكنوش هيتورطوا في العنف، والحال كان هيبقى أفضل بالنسبة ليهم"، يلخص السياسي، شهاب وجيه موقف الإخوان، حال موافقتهم على فض الاعتصام بشكل سلمي، ويضيف أن الحال في مصر كان سيختلف تماما، لأن الإخوان فقدوا جزءا كبيرا من قاعدتهم في الوقت الحالي، ما اضطرهم للجوء للعنف، والتفجيرات، لكن في حالة دخول في تحالفات مع الدولة عندما بدأ الاعتصام كان يمكن للجماعة أن تطهر وتطور من نفسها للتوائم مع التغييرات؛ وأكمل أن الالتفاف الشعبي حول القيادة الآن لم يبدأ مع رابعة وإنما قبل الفض، وبالتالي من الصعب توقع أن القيادات كانت ستتغير، لكن الجناح المستنير للجماعة، كان سيدخل في الحياة السياسية، ويندمج معها.
وتابع، القيادي بحزب المصريين الأحرار، حديثه مؤكدا أن "تعامل الدولة مع المظاهرات حاليا، لا يمت للمعنى السياسي لها، وإنما تعامل مع عدة أشخاص ينزلون تحت شعار "في سبيل الله، وهي لله"، بالتالي فإن طبيعتها مختلفة، ولو كانت طبيعية لتعاملت معها الحكومة بشكل طبيعي، وتغير شكل المظاهرات للأعنف واتخذ الحراك الإخوان شكل جهادي، كنتيجة مباشرة لما حدث من عنف مع اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وهو مشهد لا يوجد حالة فض الاعتصام بشكل سلمي".