القصة الكاملة لوفاة 3 طباخين أثناء تجهيز «وليمة» لافتتاح مسجد بالشرقية
مشهد مأساوي ألقى بظلال من الحزن على أهالي قرية «كفر النجيدي»، التابعة لمركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية، حيث خرجت من مسجد القرية 3 نعوش تحمل بداخلها جثامين رجلين وامرأة من أسرة واحدة، لتشارك جموع غفيرة من الأهالي، رجال وسيدات وأطفال، في تشييعهم إلى مثواهم الأخير بمقابر الأسرة، التي ضمت بين طياتها ثلاثة من خيرة أبناء القرية مرة واحدة.
القصة المأساوية بدأت بخروج الشيف «وائل»، وخاله «السيد»، وعمته «أم محمد»، من منزلهم بقرية «كفر النجيدي» ليتوجهوا إلى قرية «ميت ردين»، التابعة لمركز أبو حماد، لإعداد «وليمة طعام»، في إطار التجهيز لافتتاح مسجد بالقرية، إلا أنهم عادوا جثثاً هامدة، بعدما لقوا حتفهم إثر استنشاق بخار ماء أعدوه للطهي.
اعتاد الشيف «وائل محمد محمد محمود» على إعداد وجبات الطعام في المناسبات الاجتماعية المختلفة، سواء أفراح أو عزاءات أو افتتاحات وغيرها، حيث يستعين به الأهالي لطهي كميات كبيرة من الطعام، لتقديم الولائم وتوزيعها على الحضور، ودائماً ما كان المشهد ممزوجاً بحالة من الفرحة، ويتبادل الأهالي التهاني، ويقدمون للشيف الشكر لإعداده وجبات الطعام الشهية إلا أن هذه المرة اختلف الحال، حيث إن الشيف ومساعديه، خاله وعمته، لم يستكملوا مهمتهم، والمسجد لم يتم افتتاحه، بعدما اكتشف الأهالي وفاة الطهاة أثناء نومهم.
وقال «محمود ص.»، أحد أهالي قرية «ميت ردين» بأبو حماد، لـ«الوطن»، إن أحد الأهالي، ممن تبرعوا بمساهمات في إنشاء مسجد بالقرية، استعان بالطهاة الثلاثة لإعداد وجبات طعام، كان من المقرر توزيعها على الأهالي، بعد افتتاح المسجد، مشيراً إلى أحد الأهالي استضافهم بمنزله، وعند محاولته إيقاظهم في حوالي الساعة الثانية قبل فجر اليوم السبت، فوجئ بهم جثثاً هامدة، فسارع بإبلاغ الشرطة.
وأضاف أنه تم الدفع بـ3 سيارات إسعاف حضرت إلى القرية، في وقت مبكر من صباح اليوم، وجرى نقل جثامين الطهاة الثلاثة إلى أحد المستشفيات والتحفظ عليهم بمشرحة المستشفى، لحين الانتهاء من التحقيقات والمعاينات اللازمة، لافتاً إلى أنهم علموا بعدم وجود شبهة جنائية، وأن الوفاة بسبب استنشاق بخار الماء، ونقص الأكسجين.
وأنهى «محمود» حديثه قائلاً: «الله يرحمهم ويغفر لهم ويسكنهم الجنة، لم يكونوا من أهال قريتنا، إلا أننا نشعر كأنهم من أفراد أي أسرة في القرية، وحزننا عليهم لا يقل عن حزن ذويهم وأهلهم»، لافتاً إلى أنه تقرر تأجيل افتتاح المسجد لموعد آخر، لم يتم تحديده بعد.
وفي قرية «كفر الجنيدي»، التابعة لمركز ديرب نجم، مسقط رأس المجني عليهم، وبعدما انتهى الأهالي من مراسم الدفن، توافدوا على منزل أسرة الطهاة الثلاثة، لتقديم واجب العزاء لأفراد الأسرة، داعين الله أن يلههم الصبر والسلوان.
وقال «ع. أ.»، أحد أهالي القرية، إن الراحلين الثلاثة وأسرتهم معروفون بطيبتهم وسمعتهم الحسنة ودماثة أخلاقهم، مشيراً إلى أن الشيف «وائل» يعمل طباخاً منذ نحو 12 سنة، وكان خاله وعمته يساعدانه في تجهيز الطعام، مشيراً إلى أنهم كانوا يتحملون مسئولية أسرهم وتوفير احتياجاتهم.
وتابع أن «القرية بأكملها حزينة عليهم، وكأن العيون تدمع دماً عليهم، والمصيبة كبيرة، لكون الثلاثة من أسرة واحدة، حيث خرجت جنازاتهم في مشهد صادم للجميع»، ومضى قائلاً: «لا نقول إلا ما يرضى الله عز وجل، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله المغفرة والرحمة لهم ولنا».
وحول تفاصيل الوفاة قال: «علمنا أن الراحلين الثلاثة كانوا يعدون وجبات الطعام، وتركوا بعض الأطعمة والمياه في بعض الأواني تغلي على الموقد، وقرروا أخذ قسط من الراحة لمدة ساعة أو ساعتين، على أن يعودوا لاستكمال عملهم، إلا أن توفاهم الله».
وتلقى اللواء إبراهيم عبد الغفار، مدير أمن الشرقية، إخطاراً يفيد بورود بلاغ إلى مركز شرطة أبو حماد، بوفاة كل من «وائل محمد محمد محمود»، و«أم محمد عطية علي»، و«السيد محمد السيد عبد الرازق»، إثر استنشاقهم بخار مياه أثناء إعدادهم وجبات طعام داخل منزل بقرية «ميت ردين»، بدائرة المركز.
وعلى الفور، انتقلت قوة من الشرطة إلى موقع البلاغ لإجراء التحقيقات والمعاينات اللازمة، حيث تبين أن المتوفين الثلاثة كانوا يقومون بإعداد وجبات طعام، وكان يوجد موقد غاز من 5 شعلات فوقه بعض الأواني تحتوي على مياه ودجاج مسلوق ومقلي، وتبين أن الوفاة بسبب استنشاقهم بخار المياه، الذي انتشر في أرجاء الغرفة، وأدى لنفاذ الأكسجين، وتحرر عن ذلك المحضر 1492 إداري مركز ابو حماد، وأخطرت النيابة العامة، التي تولت التحقيق.
وأمرت النيابة بانتداب المعمل الجنائي لإجراء الفحوصات اللازمة، وانتداب الطب الشرعي لتحديد سبب الوفاة، وتبين عدم وجود شبهه جنائية، وأن الوفاة طبيعية، بسبب استنشاق بخار الماء، وصرحت بدفن جثامين المجني عليهم.
وطالب عدد من أهالي قرية «كفر النجيدي» الدكتور ممدوح غراب، محافظ الشرقية، بتقديم مساعدات عاجلة إلى أسر المتوفين، مثل صرف معاشات من التضامن الاجتماعي لأبنائهم، خاصةً وأنهم يعتبروا شهداء للعمل، وليس لديهم أي تأمينات أو معاشات أو مصدر آخر للدخل.