حسين حمودة يروي ذكرياته مع صديق عمره شاكر عبد الحميد: لم تغيّره المناصب
الدكتور شاكر عبد الحميد
عن عمر ناهز 69 عامًا رحل الناقد الدكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة السابق، إثر إصابته بفيروس كورونا، تاركًا حزنًا عميقًا في الأوساط الثقافية بين أصدقائه وتلاميذه، حيث يصفه الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب الحديث، في منشورٍ له عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بـ«الدنيا حين تصل إلى نهاية قسوتها».
ويتحدث «حمودة» عن صديق عمره حيث بدأت علاقتهما في سبعينيات القرن الماضي فيقول: «خلال مسيرة طويلة، من البدايات البعيدة التي جمعتنا، وحتى اللقاءات القريبة والمكالمات المطولة التي وصلت بيننا، ظل هو نفسه، ولعلي، إلى حدّ ما، ظللت أنا نفسي أيضًا، لم تغيرّه أبدًا الرحلة الطويلة، ولا الأسفار، ولا المشاغل أو المناصب، ولا التجارب الجميلة والمؤلمة».
«كنا غارقين في استكشاف عالم تحتي يحياه أهل القاهرة»، بهذه الجملة يصف لقاءاته بالوزير السابق شاكر عبد الحميد، حيث جمعتهما الحواري وبعض مقاهي «مصر القديمة»، مع يحيى الطاهر عبدالله ويوسف أبو رية، حيث كان يعدّ رسالته للماجستير في علم نفس الإبداع، وكانت تجربة يحيى الطاهر ويوسف أبورية جزءًا من عمله في هذه الرسالة. لكنه لم يكن يفكر في الرسالة أو يتكلم عنها في اللقاءات الأولى.
حمودة: شاكر عبد الحميد كان يشعر نحوي بأبوة رغم قصر الفاصل الزمني
وعلى الرغم من أن الفارق العمري ليس بكبير بينهما، حيث إن شاكر عبد الحميد يكبره بسنوات قليلة، ظل يشعر نحوه بقدر من الأبوة الحانية، وهو ما تقبّله «حمودة» ومع مرور الوقت وخصوصًا في التسعينيات، وكان شاكر عبد الحميد تزوج وأنجب، وأيضًا حمودة، وهو ما جعل علاقة الصداقة بينهما تتوسع فكانت الأسرتان تزوران بعضهما البعض.
أما عن توليه وزارة الثقافة فيقول حمودة: «من بين أساتذتي وأصدقائي وزملائي من تولوا وزارة.. كان الودّ بيني وبينهم يظل متصلاً حتى اليوم الذي يصبحون فيه وزراء، بدءاً من هذا اليوم، وحتى خروجهم من الوزارة، كنت أنقطع عن الاتصال بهم. ليس عندي تفسير لهذا.. لكنه كان الوحيد الذي لم ينقطع تواصلنا».
مواقف جمعته مع شاكر عبد الحميد أثناء توليه وزراة الثقافة
يقول «حمودة»: «في يوم ما، وهو وزير، قال لي إنه سوف يطلب مني طلبًا بعيدًا عن أية صداقة، وعرض عليّ أن أتولى منصبًا مرموقًا جدًا بالنسبة لكثيرين، وأنا رفضت لسببب خاص بمعرفتي بحدود قدراتي، وقد حدث هذا أيضًا مع بعض أساتذتي وأصدقائي الآخرين، وهو لم ييأس، ولعلّه طلب من بعض الأصدقاء المشتركين المساهمة في إقناعي ولكنه كان تفهّم وتسامح مع عدم موافقتي من البداية».
ويتابع: «قال لي بعض أصدقائي إنه سألهم عنّي، وعما إذا كنت أوافق على المشاركة في تحكيم جائزة أدبية تمنح لأعضاء التحكيم مبالغ كبيرة، وأنا رفضت أيضًا لسبب آخر، وهو تفهّم طبعًا».
التقينا مرة، وهو وزير أيضًا، على مقهى، وطلب "الشيشة" (بعض الناس بينصحوني أبعد عن القهاوي.. ما يصحّش طبعًا وزير يقعد على قهوة).. قال ضاحكًا وهو يُخرج من جيبه "المبسم" الخاص به.. وبمناسبة المقاهي، ظل هو الوحيد الذي سمحت له بأن يدفع الحساب لي أكثر من مرة، وأن يكون بذلك أكثر كرمًا منّي.. ولا أدري لماذا.. في الندوات والمؤتمرات ولجان التحكيم ومناقشة بعض الرسائل، التي حظيت فيها بنعمة القرب منه، كنت أدهش من مقدار الإخلاص والدقة الذي ظل يلازمه.. كان يعد ّويجهّز لما سوف يتكلم عنه خلال صفحات كثيرة مكتوبة بخطّه الكبير الواضح.. ويقوم بواجبه كما لو كان في امتحان، رغم علمه الغزير وثقافته المتنوعة وحسّه السليم المدرّب.. في كل مرات لقاءاتنا، وخلال عقود طويلة، كان سؤاله عن ابنتى يسبق سؤاله عن أحوالي.
أكلة سمك عن بُعد بسبب كورونا
يقول حمودة إنهما قبل عدة أشهر، وكانت جائحة فيروس كورونا المستجد استشرت، اتفقنا على أن يطلبا "السمك" من مطعمين مختلفين، وأن يتشاركا، افتراضيًا، الوجبة نفسها في مكانين بعيدين، وهكذا كانت آخر وجدبة يتشاركانها ويتختتم حديثه قائلاً: "أفكر فيه الآن وهو معي، كما كان وظل دائمًا وإلى أن ألتقيه كما ظللت ألتقيه، خلال مسيرة المحبة الممتدة، سوف أستعيد ما كان وما ظل يجمعنا".