الحب في حياة الأدباء.. رسائل شعرية تتخطى البلاد دون لقاء
مى زيادة وجبران خليل جبران.. صورة أرشيفية
بالمرور على ذكريات الأدباء وحياتهم الشخصية، لوجدنا في طيات صفحاتهم قصص حب دامت لسنوات طويلة، وتركت أثرها حتى الآن، لتعيش مع كل جيل، حتى بعد وفاة أصحابها بسنوات طويلة.
وتعد من أشهر قصص الحب لدى تاريخ الأدب العربي، هي قصة حب كثير من الأدباء للأديبة مي زيادة.
وُلدت مي زيادة في مدينة الناصرة في فلسطين عام 1886م، اسمها الحقيقي ماري إلياس زيادة، كانت تتقن ست لغات رسمية، حتَّى صدر لها ديوان باللغة الفرنسية، وهي ابنة وحيدة من أب لبناني وأم سورية الأصل، ودرست في بدايات حياتها في مدينة الناصرة في فلسطين، ودرست الثانوية في مدينة عين طورة في لبنان، وقد عاشت مي زيادة قرابة الخمسة وخمسين عامًا، وتوفّيت عام 1941م.
وكانت مي زيادة هدفًا وحبًّا لعدد كبير من الأدباء العرب، فقد أحبّها كثيرون، مثل عباس محمود العقاد، أحمد شوقي، طه حسين، أحمد حسن الزيات، ولكنَّها ماتت دون أن تتزوج أبدًا.
مي زيادة وجبران خليل جبران
وقد كانت مي زيادة على علاقة بالأديب اللبناني جبران خليل جبران، فاشتهرت بينهم رسائل حب كثيرة، ولكن مي زيادة وجبران خليل جبران لم يلتقيا فقد كان جبران يعيش في نيويورك، ولكنّ رسائلهما ظلَّتْ شاهدة على قصة حب خيالية، من قصص الحب التي ذاع صيتها في الأدب الحديث.
كانت مي زيادة في السادسة والعشرين من عمرها حين أرسلت لجبران مبدية إعجابها بكتاباته عام 1912، فأجاب جبران عـلى رسالة ميّ وأرسل لها رواية «الأجنحة المتكسّرة» التي كان قد نشرها في نيويورك وكتبت له مي أنها لا توافقه على آرائه وخاصة في الزواج وبدأت بينهما مراسلة استمرت 19 عاما لم يلتقيا فيها أبدا، أرسلت ميّ صورتها لجبران في سنة 1921، فرسمها بالفحم وأرسلها لها وتحولت تلك العلاقة من الإعجاب الأدبي إلى صداقة روحية ثم إلى حب.
وكانت مي في حياة جبران الصديقة والحبيبة الملهمة، واصلة الوصل بينه وبين وطنه، وأكثر ما حبه فيها عقلها المنير الذي تجلى في مقالاتها وكتبها، وأحب فيها حبها له وإعجابها بشخصيته وإنتاجه الأدبي والفني الذي كانت تتناوله بالنقد في مقالاتها في مصر.
لقد دامت تلك العاطفة بينهما زهاء عشرين عاما، دون أن يلتقيا إلا في عالم الفكر والروح، والخيال الضبابي، حيث كان جبران في مغارب الأرض مقيما وكانت مي في مشارقها، لم يكن حب جبران وليد نظره فابتسامه فسلام فكلام بل كان حبا نشأ وكبر عبر مراسلة أدبيه عميقة ومساجلات روحية فكرية ألفت بين قلبين، وروحين مغتربين، ومع ذلك كانت علاقتهم أسمى علاقة حب عفيف طاهر.
جبران خليل جبران، الشاعر اللبناني والفنان والكاتب والأديب، وهو أحد الشعراء المهجريين، وُلد في مدينة بشري في الشمال اللبناني عام 1883م، وتوفّى وهو في الثامنة والأربعين من عمره، سنة 1931م.
وكان حب مي الأبدي، ولكنهما لم يتقابلا طوال حياتهما، ولكن ذلك لم يمنعهم من الانجراف وراء عواطفهم وتبادل أحاديث الهوى عبر الرسائل البريدية، التي كانت بمقاييس عصرهم تأخذ وقتا طويلا، فبعد أن انتظرت دون جدوى، حضور جبران إلى القاهرة، لملمت كل شجاعتها، وكتبت له أجمل رسالة حب:
جزء من رسالة مي إلى جبران
«جبران» لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب، إن الذين لا يتاجرون بمظهر الحب ودعواه في المراقص والاجتماعات، ينمي الحب في أعماقهم قوة ديناميكية قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في اللألأ السطحي، لأنهم لا يقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر، ولكنهم يغبطون الآخرين على راحتهم دون أن يتمنوها لنفوسهم، ويفضلون وحدتهم، ويفضلون السكوت، ويفضلون تضليل القلوب عن ودائعها، والتلهي بما لا علاقة له بالعاطفة ويفضلون أي غربة وأي شقاء، وهل من شقاءٍ في غير وحدة القلب؟ على الاكتفاء بالقطرات الشحيحة، ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب.
جزء من رسالة جبران إلى مي:
لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة ويقول لها لاحقا «ما أجمل رسائلك يا ميّ وما أشهاها فهي كنهر من الرحيق يتدفق من الأعالي ويسير مترنما في وادي أحلامي بل هي كقيثارة اورفيوس، تقرب البعيد وتبعد القريب وتحول بارتعاشاتها السحرية الحجارة إلى شعلات متقدة والأغصان اليابسة إلى أجنحة مضطربة.
مي زيادة وأحمد شوقي
كان أمير الشعراء أحمد شوقي من أكثر الأدباء محبة لفراشة الأدب مي زيادة، ووصف شعوره نحوها شعرا: «إذا نطقت صبا عقلي إليها وإن بسمت إليَّ صبا جناني».
مي زيادة وعباس العقاد
كان عباس العقاد من أكثر الشخصيات وضوحًا في مشاعره تجاه «مي» وكان شديد الغيرة عليها، رغم أن مي لم تكن تبادله نفس المشاعر، بل كانت مذبذبة، حتى ذهب قلبها إلى رجل آخر وهو جبران خليل جبران.
فكتب العقاد يقول لها، «كانا يتناولان من الحب كل ما يتناوله العاشقان على مسرح التمثيل ولا يزيدان، وكان يغازلها فتومئ إليه بإصبعها كالمنذرة المتوعدة، فإذا نظر إلى عينيها لم يدر، أتستزيد أم تنهاه، لكنه يدري أن الزيادة ترتفع بالنغمة إلى مقام النشوز».