تضحية
على عادتها فى الأوقات المأزومة تعلن عن فتح باب القبول لدفعة جديدة ويتقدم الكثيرون -نساء ورجالا- من مختلف الأعمار، وفى كل مرة يمثل الشباب النصيب الأكبر من المتقدمين وكأنها صُممت خصيصاً للشباب فقط وليس لمن يرنو إلى الثلاثين والأربعين فما فوق.
تقدم لها هذا الشاب متمنياً أن يكون من الفائزين ويصبح سبباً فى محو أحزان اليتامى والمحرومين وأن تكون نقطة دمه مساهمة فى تشكيل وجوه البراعم الصغار المشرقة رغم الظلام المكفهر حولهم، وحول وطن كامل يتدافع أفراده ليل نهار فى عراك طاحن مميت كأنهم فى حلبة مصارعة رومانية لا خيار فيها سوى الانتصار لكى يحصل على حريته..
نظر هذا الشاب قبل التقديم حوله فوجد نسوة يقرفصن وهم يبكين بوجوه كأوراق الشجر الذابلة، يدير وجهته فيجد رجالا وشبابا ملتفين بالبياض واقفين أمام جدار يتوسطه باب مغلق ينتظرون العبور منه فى جو مملوء بالغبار والنساء تزداد على وجوههن علامات الحزن.. وتقدم الشاب واندس وسط المتقدمين ومد قامته واستطاع أن يفتح هذا الباب المصفح رغماً عن قوته وتعالت أصوات النساء وصخبهن.
وعندما فتح الباب ردد لنفسه كلمات وكأنه يريد أن يرضى نفسه قائلا:
يكفينى فخر أمى.. فسوف تعلم أننى ما تقدمت إلا من أجلها ومن أجل أهلى.
علمت الأم أن ابنها الوحيد كتب الله له أن يكون من المقبولين كما قُبل كثيرون قبله، واندفعت الأم الحنون باتجاه فلذة كبدها لتحتضنه وتقبله بحرارة وبدموع ساخنة، وهى تودع ابنها «الشهيد».