م الآخر| فى ذكرى رحيل إمام الدعاة.. لازل متواجد فى قلوبنا
رحل الشيخ محمد متولى الشعراوى منذ حوالى 16 عاما، لكنه لازال متواجدا بيننا بمنهجه وأفكاره وتفسيره للقراّن الكريم، فمن منا لم يتابع حلقاته الأسبوعية التى كانت تعرض كل يوم جمعة.
لم يكن الشيخ الشعراوى مجرد رجل دين أو داعية، بل كان فرد أساسى من أفراد كل أسرة مصرية، يتواجد فى كل البيوت المصرية بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع؛ ليمتعنا بتفسيره للقراّن الكريم بإسلوب بسيط وعميق فى نفس الوقت؛ وليحقق بذلك المعادلة الصعبة من خلال أسلوبه الذى يلمس وجدان البسطاء، ويدخل عقول المثقفين.
كان يعتمد فى منهجه على قول الله تعالى "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"، فكان الشيخ الشعراوى يفعل ذلك عملياً، فتجد خطابه الدينى قريب إلى الفطرة الإنسانية، منسجم مع الروح، متعانق مع الوجدان، خطاب هادئ عصرى يلمس الواقع.
فلم تكن هناك أزمه فى الخطاب الدينى مثل الأزمة التى نراها الاّن، للأسف فتحت الساحات لأنصاف العلماء من الدعاه المتشددين المتشنجين، الذين يفتقدون العلم ويعوضون نقص علمهم برفع أصواتهم، ويعوضون قلة إجتهادهم بالنقل من السلف؛ لتتوقف إجتهاداتهم حيث انتهى الأخرون؛ فتكون النتيجة أن يصبح لدينا خطاب دينى بعيد عن روح العصر، ملئ بالشعارات الجوفاء، ولن أبالغ عندما أقول أن بعض الدعاة يحفظون الخطبة بالنص، ويعتلون المنابر؛ ليرددوا ما حفظوا على مسامع الناس.
وكلما أرى ذلك أشعربالفارق الشاسع بين الشيخ الشعراوى، العالم الجليل المتبع لقول الله تعالى "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ"، وبين هؤلاء المتشددين الذين إدعوا أن معهم مفاتيح الجنة وفى حوزتهم صكوك الغفران، وهم فقط أصحاب العقول المدبرة فى الأرض، ومن ثم أنكروا على الأخرين أى محاولة للتفكير أو الفهم، ظانين بذلك أنهم على الصواب المطلق، ومن يخالفهم فهو مبتدع رافض لشرع الله.
هؤلاء الدعاه الذين أوهمونا أن فهم الدين مقتصرعليهم، أما نحن فلابد أن نفهم الدين بعقولهم، ونردد كلامهم، ونعتنق أفكارهم، ونتبع هداهم، ونسير على الطريق الذى رسموه لنا.
دعاة إنقسموا فيما بينهم إلى فرق وجماعات دينية، وكل جماعة احتكرت الدين، وكل فرقة إعتقدت أنها هى الفرقه الناجية، وللأسف إتبعهم الكثير من الناس فى وقت تقاعصت فيه الدولة عن دورها فى تقديم الخطاب الدينى المعتدل.
وقد حذر الشيخ الشعراوى من ذلك، وحذر من إنقسام الأمة إلى فرق وجماعات، مستشهدا فى ذلك بقول الله تعالى "مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ".
رحل إمام الدعاة عن دنيانا تاركاً لنا منهجا قويا، وقيم دينية ومبادئ وطنيه لا تتجزأ، فلا زالت صورته عالقة فى أذهاننا عندما إلتقى مع البابا شنودة فى لقاء المحبة الذى جمع بينهم تحت مظلة هذا الوطن، وكأنه أراد أن يرسل رسالة حب وسلام، راسما بذلك ملامح الوحدة الوطنية كما يجب أن تكون.
فى النهاية أريد أن أختم كلامى بالدعاء الذى كان يدعو به دائما الشيخ الشعراوى "اللهم إني عاصيك، ولكني أحب من يطيعك، فاجعل اللهم حبي لمن أطاعك شفاعة تقبل لمن عصاك".
رحم الله إمام الدعاة، الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى.