الأنبا رافائيل يكشف قصته مع "بباوي": قبلت مصالحته بشرط الاعتذار للكنيسة
الأنبا رافائيل
أكد الأنبا رافائيل، أسقف عام كنائس وسط القاهرة سكرتير المجمع المقدس السابق للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أنه وافق على المصالحة مع الدكتور جورج حبيب بباوي، المدرس السابق بالكلية الإكليريكية، مع طلبه منه كتابة اعتذار واضح، عن جميع ما أشاعه عن الكنيسة وأبائها.
وفي تدوينة مطولة على "فيس بوك"، ردا على ما ذكره "بباوي"، حول قرار البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسيىة، من إعادته إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وإلغاء الحرمان الكنسي الصادر ضده منذ 13 عامًا بقرار المجمع المقدس للكنيسة، بفرزه وعزله بسبب ما قيل عن انحرافاته اللاهوتية والعقائدية والطقسية.
كتب الأنبا رافائيل، قصته مع الدكتور جورج بباوي قائلا: "لم يكن في نيتي كتابة شئ يخص د جورج حبيب بباوي، حتى تفاجأت بذكر اسمي في البيان الذي اصدره، الذي يوحي بأنني قبلت المصالحة، ومددت يدي بالسلام، دون ايضاح انني طلبت منه مرارًا كتابة اعتذار واضح، عن جميع ما اشاعه عن الكنيسة وابائها.
وانهالت علىّ رسائل الاحباء يستفسرون عن حقيقة الامر، وهل انا السبب في تناوله من الاسرار المقدسة؟ وهل انا مددت يد التصالح دون شرط تراجعه عن موقفه المعادي للكنيسة؟ وهل بهذه السهولة نتنازل عن ايمان كنيستنا الذي طعنوا فيه هو وتلاميذه على مدى عقود؟ لذا كان لازمًا علىّ أن أذكر تفاصيل ما يخصني في هذا الأمر، وانا لا اعرف ماذا يجري في الدهاليز".
وأضاف الأنبا رافائيل: "بباوي حاول الاتصال به مرارا وتكرارا اعتبارا من نهاية يوليو الماضي، حتى استقبلت منه مكالمة وعرفته من صوته المعروف في كل الفيديوهات التي نشرها، يهاجم الكنيسة، ويهاجمني شخصيًا ويتهكم علىّ، بالاضافة للكتاب الضخم الذي اصدره هذا العام يتهمني فيه بالهرطقة ويسئ للبابا شنودة، وانبا بيشوي، وانبا موسى، وضعفي".
وتابع الأسقف: "أشهد أمام الله انني فرحت جدًا بمكالمته، وللحظة نسيت كل ما تهمني به، وتهكم علىّ به، خاصة انه بدأ مكالمته بكل احترام، وقدم اعتذارًا خجلت من كلماته، وطلب مني المسامحة عن كل الأخطاء التي فاه بها في حقي، واعتبار أن ما قاله هو من باب سوء الفهم، حسب تعبيره، وطلب الحل، وطلب مني أن اعتذر باسمه لقداسة البابا تواضروس عن كل ما بدر منه بحق الكنيسة، وطلب ان نذكره في الترحيم في القداس، ولم يتكلم اطلاقا على موضوع التناول من الاسرار المقدسة. وكان ردي له بكل تأدب انني خجلان من هذا الاعتذار لكن لابد من اعلان هذا التراجع للناس".
وأوضح الأنبا رافائيل، إنه تواصل كتابةً مع البابا، الذي كلفه بدوره ان يتوصل مع بباوي لكتابة هذا الاعلان ونشره ، وأنه ارسل رسالة لبباوي بهذا الشأن قائلا فيها: "تواصلت مع قداسة البابا بخصوص حضرتكم، مطلوب فقط ان حضرتك تكتب كلمة طيبة في حق الكنيسة، يفرح بها قلب المسيح، ويشعر الناس بطمأنينة من جهة ايمان الكنيسة، بعد موجات من الاضطراب، بعد الكتابة ممكن طبعا قداسة البابا يمنحكم الحل وتتناول ونرجع تاني واحد في المسيح الواحد الذي احبنا وبذل نفسه من أجلنا".
وكشف الأسقف، أن هذه الرسالة وضعت اعتبارًا لحالة بباوي الصحية المتأخرة، واحساسه انه قريب من الوفاة، وأنه يريد أن تصفح الكنيسة عن أخطائه ضدها، وأنه لا مجال في حالته الصحية الحرجة، للدخول في مناقشات كبيرة، ولذا كان يكفي الكنيسة فقط كلمة أنا أخطأت في حق الكنيسة، ونادم على هذا الخطأ.
وأشار إلى أنه كتب له مرة أخرى: "شهوة قلبي، أن يجتمع كل اولاد الكنيسة، وما أثير من اختلافات هو لا يمس خلاص الناس، خاصة البسطاء منهم، ولكنه بالعكس يشكك شعب الله، ويشغلهم بقضايا فرعية، ونظريات فلسفية، تلهيهم عن الصلاة والتسبيح والفرح بالمسيح، وتوجد جوًا من الصراع، وكله يصب في صالح الالحاد.. حضرتك عمود مهم في لم شمل ابناء الله، لو كتبت اي مقال يخدم المصالحة، واستعادة ابنائك وتلاميذك ثقتهم في كنيستهم، التي ستظل باقية خالدة، بسبب حضور الله فيها، وبسبب الليتورجيا الثمينة، بغض النظر عن نظريات اللاهوت والفلسفة، وبغض النظر عن الأشخاص، الذين نكّن لكل واحد فيهم، كل الحب والاحترام، مهما اختلفنا معهم في الأفكار، والمنهاج، لكن بكل تأكيد لن نختلف على المسيح".
وأوضح الأنبا رافائيل، أن المقصود من هذه الرسالة، أن اتهاماته له ولآباء الكنيسة، الحاليين والمنتقلين، ليس لها أساس من الصحة، وليس من حقه رفع ما يعتبره هو أخطاء، لمستوى أنها هرطقات، ولم يوجه له أي اتهام بأي خطأ لاهوتي يعلّم به، حتى لا يتم الدخول في جدال لا ينتهي، وكان يكفي أن يقول أخطأتُ، لأن ما يهمنا في المقام الأول هو إيمان الكنيسة، وليس الاعتذارات الشخصية عن الإساءات، والتهكمات، التي صدرت منه ضد الكنيسة على مدى عقود.
وأردف الأنبا رافائيل: "انتظرت ان يكتب شيئًا، فلم يكتب. فارسلت له ايميل بتاريخ 6 أغسطس قلت فيه أرجو ان مقالكم المزمع أن تكتبه لعمل المصالحة يتضمن معالجة المشاكل التالية:
1- التشكيك في صحة ايمان الكنيسة، وسلامة تعليمها، والاتهام باننا نتبع تعاليم العصر الوسيط، واللاهوت الغربي.
2- التشكيك في معرفة أباء الكنيسة الحاليين، واتهام المجمع المقدس، بانه جاهل ولا يعرف في أصول اللاهوت.
3- التطاول على رموز الكنيسة المتنيحين والأحياء. طبعاً لا يهمنا في المقام الأول الأشخاص، لكن يهمنا ثقة الناس في الكنيسة، والإيمان المسلم لنا من أبائنا الأولين، متسلسلاً إلى أبائنا الذين تعلمنا منهم.
4- ترسيخ مبدأ أنه هناك فرق بين الهرطقة والرأي، وان الاختلاف في بعض أوجه التفسير وارد، حتى عند الآباء الأولين، طالما انه لا يفسد لاهوت الخلاص.
ولا يوجد اتجاه واحد في التفسير يكفي لشرح حقيقة العمل العظيم الذي أتمه المسيح معنا، بل هناك تكامل، وتعدد في زوايا رؤية هذا العمل الخلاصي العظيم، الذي سيظل سراً لا تدرك العقول كماله.
5- ترسيخ مبدأ جامعية الكنيسة، وضرورة عدم عبادة الأشخاص، والتحزب لهم، بل ان نلتزم بالكنيسة ككيان روحي الهي انساني.
6- ترسيخ مبدأ أن الكتاب المقدس، هو مرجعنا الأول، وأن الليتورجية مصدر أساسي لفهم ايمانياتنا. وإن نبتعد عن الفلسفة، وزخرفة الكلام؛ لكي نفهم ايماننا الثمين، في بساطة التعبير الليتورجي، بعيداً عن متاهة التعبيرات الفلسفية.
7- ترسيخ مبدأ أن الاستناد لأقوال الآباء، يجب أن يتوافق مع فكرة الإجماع الكنسي، وليس الاعتماد على قول واحد، أو أب واحد.
8- دعوة لعمل حوار مفتوح حول فهم المصطلحات اللاهوتية، على ضوء ثقافة عصرنا، كمثل التأليه، والبدلية، والنيابية، والفداء.
9- تأكيد احترامنا للكتاب المقدس، ومفهوم الوحي في المسيحية.
10- فكرة تقسيم اللاهوت إلى شرقي وغربي هى فكرة حديثة، لان الشرق (القسطنطينية)، والغرب (روما)، كانا في شركة حتى القرن 11، حتى بعد خروجنا نحن في مجمع خلقدونية.
11- أن الفكر اللاهوتي في الشرق والغرب كانا متكاملين، ومتوافقين، حتى القرن 11، ولم يتهم أحد من الشرق أحداً من الغرب بالهرطقة أو البدعة (مثلا القديس أغسطينوس "من الغرب" كان معاصرًا للبابا كيرلس الكبير، ولم يخطئّه بينما دافع عن الايمان ضد نسطور"من الشرق").
12- الاختلافات الحديثة، داخل كنيستنا، ومواضيع الصراع الوهمي التي اثيرت في الكنيسة، لا تمس خلاص الناس، ولا تمس اساسيات الايمان، لكنها فقط تؤدي إلى انشغال الناس عن فرحهم بالمسيح في الليتورجيا، وثقتهم في الكنيسة وآبائنا، وسلامة تسلسل التسليم الرسولي، وهذا يصب فقط في صالح الخارجين عن الارثوذكسية، والملحدين.
13- تأكيد فكرة وحدة الجنس البشري في ادم، ثم في المسيح لانها تحل مشاكل كثيرة في فهم ما عمله المسيح معنا.
14- تأكيد فكرة عجينة البشرية (اللحم والدم)، واشتراك السيد المسيح فيها باتحاده الاقنومي مع الطبيعة البشرية، وليس مع شخص (حسب رأي نسطور)، يسهّل فهم الكثير من الأمور صعبة الفهم من جهة اتحادنا بالمسيح، وموتنا معه وفيه، وقيامتنا معه، وجلوسنا معه، سواء الان من خلال جسده الخاص، أو في الأبدية بأجسادنا المقامة بقوته.
أخيرا أثق في محبتكم، وإخلاصكم للمسيح والكنيسة، واتضاعكم.
أثق أن هذه الخطوة ستترك للتاريخ نموذجا، يحتذى في حل المشاكل، وستسبب به سلاماً في الكنيسة، وهدوءًا، ووحدانية، بعد ان كانت على وشك التحزب للأشخاص، دون فهم حقائق إيماننا الأقدس".
وقال الأسقف: "في الحقيقة، الاختلافات الحادثة بين تياريْن داخل الكنيسة حاليًا، هى مفتعلة من تلاميذ بباوي، وآخرين، لاحداث بلبلة وفقدان الثقة في سلامة ايمان الكنيسة، بلا أدنى داعٍ. واستنزفت منا جهدًا، ووقتًا، كان بالأولى أن نشغله بالخدمة والصلاة. لكنه للأسف جرنا إلى هوة الدفاع عن سلامة إيماننا، وما استلمناه من أبائنا حتى البابا شنودة والبابا تواضروس".
وأضاف الأنبا رافائيل: "إلا أني فوجئت يوم 17 أغسطس أن الصحافة والميديا، تحمل خبر تناول بباوي من الأسرار المقدسة.
وانقطعت الاتصالات بالدكتور جورج حتى يوم 23 أغسطس حيث أرسلت رسالة على الفايبر، قلت له اني انتظرت طويلا كتابة مقال حسب وعده لتهدئة النفوس وعمل المصالحة ولكن يرجو أن يكون المانع خيرا، ليتصل بي، وقال إنه داخل جراحة خطيرة في القلب يوم الاثنين 24 أغسطس، وانه جهز المقال المتفق عليه. فألححت عليه بسرعة نشره، لتهدئة النفوس، وطمأنينة الناس الذين تعبوا جدًا بسبب اتهامه للبابا شنودة بالهرطقة، والاتهام أن الكنيسة حاليًا تؤمن بلاهوت العصر الوسيط، وغيره من الاتهامات الباطلة الغريبة.
واتصلت به مساء الاثنين للاطمئنان على صحته بعد الجراحة، فكلمني وطمأني، ثم فوجئت بالبيان الذي اصدره، الذي يوحي بأنني قبلت المصالحة، ومددت يدي بالسلام، دون ايضاح انني طلبت منه مرارًا كتابة اعتذار واضح، عن جميع ما اشاعه عن الكنيسة وابائها.
واختتم الأنبا رافائيل قصته، بالتأكيد أنه "لديه صور كل هذه الرسائل المتبادلة، سواءً على الفايبر أو الإيميل".
وكان "بباوي"، أصدر بيان قال فيه: "دُهشتُ للعاصفة الإعلامية التي أهاجها البعض بخصوص تناولي من الأسرار الإلهية، دون سبب معقول، ولكن، متى كان للشر سببُ معقول؟ أول كل شيء، أسجل الشكر، كل الشكر للأب محب أولاده البابا تواضروس الثاني، عطية الله، الذي طلب من الأنبا سيرافيم، فتفضل بزيارتي وفي معيته الأب اسطفانوس، حاملين معهما الكلمة المتجسد."
وأضاف بباوي: "كنت أعتقد أن هذه الزيارة هي خاتمة أحداث طالت في الزمان حتى بلغت ما يزيد عن أربعين عاماً، ولكن حَرِصَ الذين اعتادوا على اختراع الشر ألّا تفلت الفرصة من أيديهم فأهاجوا من جديد عاصفة الأحقاد، وإن كانت قد طالت هذه المرة البابا تواضروس الثانى، لذا فإني أعتذر للبابا عما سببته له من هجوم داس على أبسط الحقائق، وهي أنه أبٌ يرعى أولاده، وأنه حرّ في تصرفاته، لا سيما تلك التي تراعي المحبة والأمانة.
ثانياً: أقدم شكراً خاصاً إلى الأنبا رافائيل الذي قَبِلَ المصالحة ومد يده بالسلام، مؤكداً أنه وضع المسيح فوق كل اعتبار.
ثالثاً: أؤكد أن كل الفرقاء لهم نفس الإيمان وذات العقيدة، وهو ما سبق وأن كتبته بيدي عدة مرات. إيمان الأب متى المسكين هو ذات إيمان البابا شنودة الثالث، وهو هو ذات إيماني أنا أيضاً. فإذا اختلف الشرح أو التأويل، فإن الحكم بالهرطقة لا يجب أن يصدر إلَّا بعد محاكمة يتاح فيها للمتهم أن يدافع عن نفسه، ذلك هو قانون الكنيسة.
وقد شرحتُ إيمانى بكل وضوح في ما يزيد عن أربعين كتاباً، وعدد من المحاضرات والمقالات ـ جميعها في متناول اليد ـ لا تسمح لمتقول باللجاج في أن إيماني هو ذات إيمان الأباء الذى تقدّمه صلوات أم الشهداء.
واختتم بباوي بيانه بالقول: "من كل قلبي أطلب غفراناً لكل من أبدى عداوةً، ولكل من تلفظ بشتيمةٍ ظناً منهم أنهم بذلك يحجزون لأنفسهم أماكن ضمن المدافعين عن الإيمان، وما كان الدفاع عن الإيمان يوماً إلّا رحابة صدر ورجاحة عقل، ولنا في كتابات أثناسيوس وكيرلس مثلاً يُحتذي.
أرجو من الجميع مراعاة سلام الكنيسة، آملاً أن تنحسر هذه العاصفة الهوجاء، فلا يفيد منها شيطان الانقسام. لا داعي للشتائم، لأن ما فعله البابا تواضروس هو من أجل الإيمان، وكل ما أطلبه هو سلام وهدوء الكنيسة".