رحل إسماعيل عبد الحافظ وترك «الوسية»
كعادته يحل مفاجئا، دون قاعدة أو نظام بعينه، فقط يعطى إشارات، وأحيانا يتجاهلها، لتهجر الروح الجسد باحثة عن مكان جديد، فى سماء لا تعرف حقد وألغاز البشر، يضمن له عمله موقعا من اثنين؛ ميت فى حياته، أو حى فى باطن الأرض، لكن الإشارات كلها تذهب فى الاتجاه الثانى، رحل الجسد وبقى العمل يتحدث عن صاحبه.
«نقل المخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ إلى مستشفى المعادى على أثر التهاب رئوى حاد».. نشر الخبر فى أغلب الصحف والمواقع الإلكترونية قبل 15 يوما، تبعته تعليقات وتمنيات بالشفاء لصاحب ملحمتى «ليالى الحلمية» و«الوسية» وأكثر من 21 مسلسلا غيّرت من شكل الدراما فى مصر، سمح له الأطباء بمغادرة المستشفى والعودة إلى البيت، فعاودته صعوبة التنفس والاختناق.. وتتلقف الأسرة الحزينة على عميدها النصيحة «سافروا به إلى باريس».
على جسده المريض تراقص الجميع، بيانات رسمية بأن المخرج الكبير قيمة لا يستهان بها وأن الدولة ستتكلف بعلاجه، وتصريحات نقابية بأن الفنانين أولى برجلهم وأن علاجه سيكون شغلهم الشاغل، لم يزد الأمر عن البيانات والتصريحات، انتظرت الأسرة كثيرا تأشيرة الأمل، لكنها لم تأت، فلم يكن أمامها من بد سوى بيع الغالى والرخيص لعلاج من هو أغلى.
ياالله إنها الرسالة، حتى فى مماته يعطى رسالة، 24 ساعة فقط بين أمل الحياة وواقع الموت، سافر الأربعاء برصيد لا بأس به من المرض والألم.. مرض يحاول علاجه، وألم نفسى ألمّ به بعد 71 عاما من العطاء لم يأخذ فى نهايتها شيئا، خرج منها كما دخلها، اللهم إلا رصيدا من الحب والتقدير فى نفوس جماهير لا تملك أكثر من الحب لتعطيه له.. لم يبق للراحل بعد كل هذه السنوات سوى الفشل، فشل الدولة فى إنقاذه، وفشل الأطباء فى علاجه، وفشل جيله -الذى يعتبر الثانى بين المخرجين التليفزيونيين- فى إنقاذ الدراما مما آل إليه حالها.
ترى ماذا سيقول محمد، ابن الراحل، الذى احترف التمثيل، لأبنائه عن جدهم، هل سيروى لهم تفاصيل الوفاة، وكيف ردت له الدولة رصيد إبداعاته فى صورة تجاهل، أم سيكتفى بالإشارة إلى التكريم الذى ربما يحصل عليه الراحل بعد الوفاة.. لن يرى الصغار لجدهم تسجيلات تليفزيونية كثيرة فلم يكن عاشقا للظهور الإعلامى، كلما دعاه أحدهم للقاء تليفزيونى يسأل «طب هاقول إيه؟».. يرد عليه صاحب الدعوة: «هتتكلم عن أعمالك يا أستاذ»، يبتسم بهدوء: «أعمالى هى اللى المفروض تتكلم عنى».. وهكذا تحققت أمنيته، رحل عبدالحافظ ليترك «الأصدقاء» يتحدثون عن «الوسية» فى «حدائق الشيطان».