وقفة احتجاجية نظمها العاملون بالقطاع الطبى بمدينة إيسين شمال ألمانيا منذ عدة أيام اعتراضاً على إعلان الولاية عزمها إغلاق مستشفيين بها فى نهاية العام الحالى.
الوقفة استقطبت عدداً أكبر مما كان متوقعاً.. ولافتات تحمل كلمات مثل «الطوارئ أولاً».. و«لا لخفض الإنفاق على الصحة» انتشرت بين المتظاهرين الذين ارتدوا قمصاناً تحمل بقعاً حمراء وكأنها ملطخة بالدماء..!
الطريف أن الحكومة قد ردت على المتظاهرين بأن ما سيتم توفيره من تلك المستشفيات سيضخ فى مجال الصحة ذاته ولكن بشكل آخر.. وهو ما جعل المتظاهرين أكثر هدوءاً..!
فى العديد من دول العالم يكون التركيز الأكبر من المواطنين على الإنفاق على القطاعات الخدمية من الحكومة.. ربما أكثر بكثير من سياساتها الخارجية.. فما يشغل بال المواطن هناك هو ما يشعر به على أرض الواقع.. ما يلمسه من خدمات تُقدَّم له نظير ما يدفعه من ضرائب..!
معظم الدول الأوروبية تعلن حجم إنفاقها على القطاعات الخدمية بشكل واضح ومنتظم.. وعلى رأسها قطاع الرعاية الطبية.. فقد بلغ الإنفاق على الرعاية الصحية فى الولايات المتحدة ١٧٫٧% من الدخل القومى الإجمالى عام ٢٠١٨ الذى يبلغ ٣٫٦ تريليون دولار.. وهو الأعلى فى العالم.. بينما فى أوروبا تراوح الإنفاق بين ٥% فى رومانيا و١١٫٥% فى فرنسا و١١٫١% فى ألمانيا و١١% فى السويد.
المشكلة أن الإنفاق فى مجال الرعاية الصحية ليس له عائد اقتصادى يمكن قياسه بالمقارنة بالخدمات الأخرى.. فالعائد إنسانى فى المقام الأول.. وقيمته لا يتم رصدها إلا بعد سنوات طويلة وبمعايير مختلفة..!
بنظرة اقتصادية مجردة فما يتم إنفاقه فى مجال الصحة هى أموال بلا عائد.. ولكن بنظرة أكثر شمولاً فالإنفاق هنا أكثر جدوى بكثير من معظم القطاعات الأخرى.. فأزمة فيروس «كوفيد» قد أثبتت للعالم كله قيمة وجود نظام صحى ثابت وقوى.. وعبرت بشكل واضح عن أهمية ما يتم إنفاقه فى مجال الصحة من الحكومات.
فى مصر بلغ الإنفاق على قطاع الصحة فى العام الماضى ٥٫٦٪ وهى نسبة ليست قليلة.. بل وتصريحات الحكومة تفيد بزيادة الإنفاق فى العام المالى الحالى أيضاً.. ولكن المشكلة الأساسية أن جزءاً كبيراً من ذلك الإنفاق ذهب إلى توفير الاحتياجات من الأدوية والأجهزة الطبية والمستهلكات.. التى يتم استيرادها من الخارج دون أن يفكر أحد فى تقنين ذلك الإنفاق داخل مصر..!
دول كثيرة تنتج نسبة كبيرة من احتياجاتها الصحية والطبية. فأمريكا ومعظم الدول الأوروبية تنتج الدواء والأجهزة الطبية ومستلزمات الرعاية الصحية التى تحتاجها.. بل وتصدرها إلى دول العالم.. لم يتوقف الأمر عند ذلك.. فقد تبعتها الهند التى تعتبر قد نجحت فى تحقيق طفرة فى هذا المجال.. وهذا هو بيت القصيد..!
نحتاج إلى خطة متكاملة لتطوير قطاع الدواء وصناعة الأجهزة الطبية ومستلزمات الرعاية الصحية على أرض هذا الوطن.. نحتاج لإنتاج بعض مما نستهلكه.. على الأقل لتكتمل الدورة الاقتصادية بشكلها التقليدى فى مجال الرعاية الصحية..!
خطة بهذا الشكل ستنجح فى إعادة جزء كبير من الإنفاق الذى يحدث فى مجال الرعاية الطبية إلى المجتمع مرة أخرى فى صور مختلفة.. ستنجح فى تشغيل مصانع وأيدٍ عاملة مصرية.. ستتمكن خطة واضحة فى هذا الإطار من تحقيق منظومة متكاملة أكثر ثباتاً أمام المتغيرات العالمية.
إن العمل على وضع خطة بأقصى سرعة باستخدام خبراء فى الاقتصاد والصحة والتمويل سيكون له بالغ الأثر فى تحقيق نهضة متكاملة فى مجال الرعاية الصحية.. نهضة نحتاجها بشدة بعد انتهاء الأزمة..!