الأمراض النفسية.. الذراع اليمنى لفيروس "كورونا"
قلق واكتئاب يُداهمان المصابين بالفيروس والأصحاء
حالة من الرعب والخوف من عدوى "كورونا" أصابت كثيرين بأمراض نفسية
حالة نفسية سيئة، وظروف أجبرت الجميع على محاولة التعايش مع هذا الوضع الاستثنائى، إلا أن الآثار السلبية الناتجة عن ذلك لم تكن بالهينة على المجتمع المصرى وغيره من مجتمعات العالم، فالأزمات النفسية المصاحبة لأزمة انتشار فيروس كورونا المستجد أكبر بكثير من أزمة «كورونا» نفسها، بحسب المتخصصين، فبين جموع المصريين بدأت تنتشر، بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا، العديد من الأمراض النفسية الناتجة عن حالة العزلة والبعد الاجتماعى الذى يعيش فيه الجميع.
«الوطن» فى هذا الملف تُلقى الضوء على حالة عامة يعانى منها عدد ليس بالقليل من المواطنين، حيث انتشار عدد كبير من الأمراض النفسية بينهم، على هامش انتشار فيروس كورونا وطالت المصابين بكورونا وكذلك الأصحاء، وهو الأمر الذى يراه المتخصصون أخطر بكثير من انتشار فيروس كورونا، الذى يجب، بحسب قولهم، أن نوليه اهتماماً كبيراً حتى لا يتفاقم الأمر ويصل إلى نتيجة لا تحمد عقباها بين المصابين والأصحاء على حد سواء.
متخصصون: دعم مرضى "الوباء" أهم من العلاج الدوائى
المتخصصون فى الطب النفسى لم ينكروا حجم الأزمة التى نعيشها والعالم أجمع بسبب فيروس كورونا المستجد، وإنما رأوا جميعاً أن الآثار النفسية الناجمة عن هذه الأزمة هى الأكبر، ويجب أن يعيها الإنسان جيداً حتى لا يقع فريسة مرض نفسى ينتهى به إلى ما لا تُحمد عقباه.
يقول الدكتور على النبوى، استشارى المخ والأعصاب والطب النفسى: إن الفترة الحالية التى نعيشها بسبب كورونا يصاب فيها كثيرون بما يسمى «كرب ما بعد الصدمة» وكلمة صدمة هنا تعنى الرعب من سماع أو رؤية خبر متعلق بأحد أصيب أو توفى بفيروس كورونا، مشيراً إلى أن وقع هذا الخبر على الجهاز العصبى والنفسى للغالبية يفرز كمية من مواد وناقلات عصبية تسبب سرعة فى ضربات القلب وجفاف الحلق وتشوش الرؤية واضطراب الجهاز الهضمى وعدم الإحساس بالراحة واضطراب النوم والشهية، وهذا الاضطراب يحدث بصورة أكثر شدة لمن أصيب بالفيروس وشُفى منه، الأمر الذى يستوجب العلاج النفسى بجانب العلاج الدوائى.
"النبوى": الفيروس يهدد الحياة ويثير كل الأمراض النفسية لدى الشخص
ويضيف «النبوى»: كورونا حدث مهدد للحياة أرعب العالم كله، ومن ثم فهو يثير كل الأمراض النفسية، فعلى سبيل المثال يجعل مريض الإدمان يضطرب وإذا كان قد تعافى فإنه سيشعر بقلق وسيلجأ للمخدرات مرة أخرى لأنها هى التى تهدئ القلق الذى يعيش فيه من وجهة نظره، فكل هؤلاء بدون الدعم النفسى سينتكسون مرة أخرى، مشيراً إلى أنه فى مثل هذه الأحداث الضاغطة الحادة قد يصاب الفرد بعدد آخر من الأمراض النفسية أولها الفوبيا وهى الرعب من كل ما يتعلق بالحدث نفسه، ومنها أيضاً الوسوسة المتمثلة فى النظافة الزائدة والشك فى كل شىء، وقد يصاب الفرد أيضاً بالقلق وهو الخوف من المجهول، وكذلك يُعد الخوف نفسه من المشكلات النفسية التى قد يصاب بها الفرد متمثلة فى الخوف من شىء محدد مواجه له، وأخيراً قد يصاب الشخص بالاكتئاب وهو إحساس الشخص باليأس وقلة الحيلة، كما أن توقف سوق العمل لدى الكثيرين قد ينتج عنه ما يسمى بالاكتئاب التفاعلى.
ويوضح «النبوى»: نحن نعيش أزمة نفسية أكبر من أزمة كورونا نفسها، لأن كثيراً من الحالات تشعر بضيق فى التنفس يشبه أعراض كورونا بالضبط بسبب الهلع فيتعجل الناس بتناول أدوية خاطئة تزيد من الأزمة، وأطباء الرعاية المركزة معذورون، لأن المريض القادم إليهم ويعانى من ضيق فى التنفس لا يُعرف إذا كان هذا بسبب الهلع أم بسبب كورونا، وبالتالى فإن الدعم النفسى فى هذه المرحلة مهم جداً ويحل جزءاً كبيراً من الأزمة.
"عبدالرشيد": "كورونا" متوسط الشدة و70% من حالات الوفاة سببها سوء الحالة النفسية
ويقول الدكتور إبراهيم عبدالرشيد، استشارى التحليل النفسى بجامعة عين شمس: إن الحالة النفسية للشعب المصرى فى الوضع الحالى ينتج عنها أن هناك أكثر من 70% من حالات الوفاة بفيروس كورونا نفسية فى الأساس، ويكون الأمر ناتجاً إما عن نوبات الذعر (panic attacks)، التى تحدث بشكل مفاجئ عندما يعلم الشخص أنه مصاب بفيروس كورونا ويتعامل مع الوضع كأنه ذاهب إلى الموت، مشيراً إلى أنه رأى ذلك بعينيه، قائلاً: فى مستشفى حميات العباسية وجدت سيدة تلطم خدها وترفع التراب وتضعه فوق رأسها وعندما سألت عن السبب الذى دفعها إلى ذلك علمت أن ابنها أصيب بفيروس كورونا، ومن ثم تعاملت هى مع الأمر على اعتبار أن ابنها قد مات، فحدث لها نوبة ذعر وهو الأمر الوارد حدوثه لابنها أيضاً، وهذا الذعر المفاجئ خطير جداً لأنه ينتج عنه تغيير فى طبيعة الدم بسبب ارتفاع نسبة الأدرينالين مع مشكلات أخرى فى نسبة الكورتيزون فى الجسم، بالإضافة إلى التهابات فى الشرايين والأوردة نتيجة الحالة النفسية السيئة، الأمر الذى ينتج عنه ضيق فى التنفس، إلى جانب توقف جهاز المناعة عن العمل، وبالتالى من الممكن أن يتسبب ذلك فى وفاة أو جلطة مفاجئة للمريض.
ويضيف «عبدالرشيد»: كورونا يُعتبر متوسط الشدة، ولكن ما جعله قوياً هو الحالة النفسية والذعر الناتج عنه، مشيراً إلى أن «اكتئاب ما بعد الصدمة»، يؤدى إلى نفس نتائج نوبة الذعر ولكن بالبطىء، وأيضاً من الممكن أن يؤدى إلى الوفاة، لأن الشخص فى هذه الحالة يرى أن أجله قد حان وأن إصابته تعنى وفاته ومن ثم ينتهى بالفعل إلى ذلك.
ويتابع «عبدالرشيد»: الاكتئاب أمر سائد بكثرة حالياً بسبب كورونا نتيجة العزلة والحبسة داخل المنزل، لأن أصعب شىء على الإنسان أن يُحبس، ومن ثم فان مكوث الشخص كل هذه الفترة داخل منزله لا يتمكن من النزول إلا للضرورة القصوى يتسبب فى سوء حالته النفسية ويجعله مضغوطاً نفسياً بشكل كبير جداً، وهناك من يتأثر بهذه الحبسة وهناك من لا يتأثر، والفارق بين هذا وذاك هو قدرة كل منهما على التكيف مع الوضع القائم، فمن لديه قوة الشخصية وقوة الطبيعة النفسية سيتمكن من التكيف مع الوضع، ومن لا يملك هذه الصفات سيكون لديه مشكلات وأزمات نفسية أكثر، وهذا الشخص عليه أن يحاول البحث عن بدائل أخرى، فعليه أن يشغل نفسه بأى شىء آخر محبب إليه، يمكن أن يقوم به من داخل المنزل، مثل لعب الرياضة، أو حتى العمل من المنزل، الذى سيُشعره بأن هناك نتائج ما يتم تحقيقها.
"علام": عدم مغادرة المنزل يؤدى إلى جو من المشاحنات ويجب على رب الأسرة أن يبتعد عنه
ويقول الدكتور أحمد علام، استشارى علاقات أسرية، إن تأثير الأزمة من الناحية النفسية يبدأ من الأسرة نفسها، ومن ثم يجب أن يكون المسئول عن هذه الأسرة، سواء كان الأب وحده أو الأم وحدها أو الاثنين معاً، مهتماً ببعض الأمور التى يجب أن يراعيها داخل أسرته منعاً لتفاقم الأمر من الناحية النفسية، فيجب أن يحرص على إضفاء جو بعيد عن التوتر فى الأسرة طوال الوقت، وإذا كان بالأسرة أطفال صغار يجب ألا نخيفهم أو نرهبهم من الأمر، فقط نحاول أن نجعلهم ملتزمين بالإجراءات الوقائية دون أن نصدّر لهم جو القلق والتوتر، مشيراً إلى ضرورة ألا يكون محور حديث الأسرة حول فيروس كورونا، فهناك أمور كثيرة أخرى فى الحياة يمكن التحدث بشأنها مع ضرورة وجود جانب ترفيهى أثناء الفترة الموجودين بها داخل المنزل.
ويضيف «علام»: الخلافات الأسرية من الأمور الضرورى جداً الابتعاد عنها، خاصة فى هذه الفترة، لأن كثرة المكوث فى البيت بطبيعة الحال ينتج عنها جو من المشاحنات، وهنا يجب على رب الأسرة أن يعى ذلك وأن يبتعد قدر الإمكان عن ذلك، كما يجب أيضاً أن يتحلى رب الأسرة بالتفاؤل وأن يحاول أن يعطيه لمن حوله من أفراد أسرته.
ويتابع «علام»: إذا كان رب الأسرة نفسه يشعر بالاكتئاب أو بأى توتر عصبى ونفسى، عليه أولاً أن يبتعد عن مصدر القلق بالنسبة له، وغالباً ينتج اكتئاب رب الأسرة عن عاملين أساسيين، الأول منهما الخوف من فقدان العمل أو فقدانه بالفعل، وهنا عليه أن يتمسك بالأمل وأن يتفاءل بالخير ويحاول أن يطمئن نفسه، أما الأمر الثانى فهو السبب العام بالنسبة للجميع فيما يخص زيادة انتشار الفيروس والخوف منه، وهنا يجب أن يبتعد قدر الإمكان عن الأخبار السلبية وأن يبتعد عن وسائل التواصل وأن يكتفى بقدر بسيط من الأخبار، مع محاولة مشاهدة بعض الأفلام أو الأعمال الدرامية الكوميدية، وإذا كان لديه موهبة يحاول أن ينغمس بها، مشيراً إلى أن المشاحنات الزوجية تأتى فى المرتبة الثالثة بعد هذين الأمرين، ليوضح أنه وفى كل الأحوال يجب أن يعرف الفرد ما هى مشكلته بالضبط حتى يتمكن من حلها، لأن تحديد سبب المشكلة يساعد على معرفة الحلول المناسبة لها، واستشارة الطبيب المتخصص فى حال تأزم الأمر شىء ضرورى.
اقرأ أيضًا:
خبير اجتماع: اتهام مواقع التواصل بالتأثير سلبا على نفسية المواطن غير دقيق
أستاذة علم النفس: الفترة الحالية تشهد أنواعا مختلفة من الجرائم ونتوقع زيادتها