صندوق النقد يدعم مصر للحفاظ على مكتسبات "3 سنوات من الإصلاح"
بعد الاتفاق على تسهيل ائتماني جديد بـ5.2 مليار دولار
الإصلاح الاقتصادي
نجحت مصر فى الوصول إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولى حول اتفاق ائتمانى جديد لمدة 12 شهراً، وبقيمة 5.2 مليار دولار، وهو الاتفاق الذى من المقرر عرضه على المجلس التنفيذى لصندوق النقد للحصول على الموافقة النهائية بشأنه خلال الأسابيع المقبلة.
يؤكد هذا الاتفاق استمرار ثقة المؤسسات الدولية، خاصة صندوق النقد الدولى، فى السياسات الاقتصادية بشقيها النقدى والمالى المتبعة من قبَل السلطات المصرية وفى أسلوب تعامل الدولة المصرية مع تبعات جائحة كورونا.
5 بدائل أمام الحكومة لتعزيز المعروض الدولارى حال استمرار الأزمة لفترة أطول
ويُعد عقد الاتفاق الائتمانى الجديد بين مصر وصندوق النقد الدولى أمراً مهماً يعكس استمرار ثقة المؤسسات الدولية والأسواق والمستثمرين فى قدرة وصلابة الاقتصاد المصرى على التعامل مع تداعيات أزمة كورونا، والتعافى من آثارها، والتى حصدتها مصر نتيجة برنامج الإصلاح الاقتصادى، ساعية للحفاظ على مكتسبات هذا الإصلاح.
ونفذت الحكومة المصرية برنامجاً وطنياً للإصلاح الاقتصادى منذ نوفمبر 2016، وجاءت نتائجه إيجابية للغاية، حيث تعافت معدلات النمو الاقتصادى وتخطت حاجز الـ5% وتراجعت معدلات البطالة لما دون 10%، بالإضافة إلى التحسن الكبير فى الاحتياطى النقدى الذى تخطى 45 مليار دولار قبل ظهور أزمة كورونا، وكذلك هيكل الموارد الدولارية للسوق المصرية، خاصة السياحة والتحويلات الخارجية.
"ثقة العالم فى سياسات الدولة المصرية" محطة الحسم الأولى
يأتى هذا بالإضافة للانخفاض الكبير فى معدل التضخم العام بعدما تخطى حاجز الـ30% عام 2017 ليصل إلى 14% مايو الماضى، فضلاً عن زيادة صلابة وقوة القطاع المالى والمصرفى، وتحقيق تحسن كبير فى مؤشرات المالية والمديونية، وأهمها تحقيق فائض أولى بالموازنة العامة قدره 2% من الناتج المحلى، وخفض معدلات المديونية لتصل إلى 90% من الناتج المحلى فى يونيو 2019.
وانعكست تلك الأوضاع إيجابياً أيضاً على تقييم المؤسسات الدولية للاقتصاد المصرى وأحدثها مؤسسة ستاندرد آند بورز، التى أبقت على تصنيف مصر الائتمانى عند مستوى B مع نظرة مستقبلية مستقرة، مقارنة بعشرات الدول حول العالم التى تم تخفيض تصنيفها الائتمانى.
الاتفاق الجديد شهادة دولية على صلابة الاقتصاد المصرى فى مواجهة جائحة كورونا
ويأتى هذا التمويل الائتمانى ضمن برنامج اتفاق الاستعداد الائتمانى الذى خصصه صندوق النقد الدولى بشكل عاجل وسريع لدعم الدول الأعضاء فى مواجهة جائحة كورونا، الذى يقدر بتريليون دولار أمريكى، للاستجابة لطلبات نحو 102 دولة من الدول الأعضاء للحصول على مساعدات مالية، حيث وافق صندوق النقد الدولى على طلبات 50 دولة منها بقيمة 23.2 مليار دولار، من بينها مصر، ويجرى معالجة الطلبات المتبقية.
ويعد هذا الاتفاق الجديد هو الثانى بين مصر وصندوق النقد الدولى منذ ظهور أزمة فيروس كورونا، ففى 11 مايو الماضى أقر صندوق النقد الدولى تمويلاً طارئاً لمصر، بموجب أداة التمويل السريع التى طرحها الصندوق للدول التى تعانى من الوباء، وبلغت قيمته آنذاك 2.8 مليار دولار.
دوافع الحصول على القرض
يأتى هذا القرض بالتزامن مع الضغوط التى تواجهها مصر على مصادرها الرئيسية للعملة الأجنبية نتيجة تداعيات الأزمة، وتأثر ميزان المدفوعات سلباً، حيث أسفرت الأزمة عن تراجع إيرادات السياحة بأكثر من 30% عن توقعات الحكومة خلال العام المالى الجارى وفقاً لتصريحات وزيرة التخطيط، فضلاً عن الانخفاض المتوقع لتحويلات المصريين العاملين بالخارج نتيجة توقف الأنشطة الاقتصادية بشكل جزئى أو كلى فى معظم دول العالم وعودة آلاف المصريين العاملين بالخارج، بجانب جمود حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة عالمياً نتيجة حالة عدم التأكد التى تشوب الاقتصاد العالمى جراء الأزمة، وتباطؤ حركة التجارة العالمية، وانعكاس ذلك على الصادرات المصرية وإيرادات قناة السويس.
لذا تسعى الإدارة المصرية إلى حماية الاحتياطى النقدى الضخم الذى تم استنزاف ما يتجاوز الـ8 مليارات دولار منه خلال شهرين فقط، نتيجة موارد دولارية شبه متوقفة، ومصروفات لا تتوقف لتغطية احتياجات السوق المصرية لاستيراد السلع الاستراتيجية، والمستلزمات الطبية، سواء فى شكل منتجات نهائية أو مدخلات تصنيع، بجانب سداد الالتزامات الدولية.
ويأتى تعاون مصر مع صندوق النقد الدولى فى ظل الأزمة الحالية استكمالاً لمراحل النجاح التى حققها الاقتصاد المصرى منذ بدأ تعاونه الأخير مع الصندوق خلال السنوات الأربع الماضية، بالإضافة إلى استمرار التعاون الفنى بين مصر وصندوق النقد مع التركيز على الإصلاح الهيكلى للقطاعات الاقتصادية الداعمة للصناعة المحلية.
ماذا لو استمرت الأزمة؟!
لا شك أن الأزمة الحالية أثرت بشكل كبير على إيرادات الدولة، خاصة فى ظل تدهور قطاع السياحة والسفر وتأثر تحويلات العاملين بالخارج بشكل سلبى، بالإضافة إلى استمرار الإنفاق على الواردات، ما يجعل استمرار الأزمة لفترة أطول يدفع إلى تآكل المعروض الدولارى.. الأمر الذى يتطلب ضرورة طرح بدائل متعددة لمواجهة تراجع الإيرادات الدولارية للدولة، وتأثير ذلك على سعر صرف الدولار والاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية.
السندات الدولية
ونجحت مصر، أواخر مايو الماضى، فى طرح سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار، والذى يعتبر أكبر طرح للسندات الدولية المصرية، حيث بلغت نسبة تغطية الإصدار الذى طُرح يوم 21 مايو بالأسواق 4.4 مرة، إذ اجتذب طلبات شراء بنحو 22 مليار دولار، بما يؤكد ثقة الأسواق العالمية فى أداء الاقتصاد المصرى، وفق ما ذكرته وزارة المالية.
وفى حال استمرار وطأة الهجوم المكثف لجائحة كورونا، ونزيف احتياطى النقد الأجنبى، والضغط على العملة الأجنبية.. قد يكون لجوء مصر لسوق السندات الدولية بمثابة أمر وارد وبقوة فى البروتوكول الاقتصادى لتعامل الحكومة مع هذه الأزمة.
ترشيد حاد للاستيراد
يأتى ترشيد الاستيراد كأحد الحلول لمواجهة أزمة كورونا والتغلب على نقص العملة الأجنبية، خاصة ترشيد الاستيراد من السلع الكمالية والترفيهية وتلك التى يوجد لها بديل محلى، بحيث يتم الترشيد بشكل فنى لا يضر باحتياجات المواطن الأساسية، ويدعم عملية الإنتاج المحلى، وذلك عن طريق مراجعة التعريفة الجمركية وإعادة صياغتها، بما يصب فى صالح ترشيد استيراد السلع الترفيهية التى يمكن الاستغناء عنها.. ومن المتوقع ألا تواجه مصر مشاكل قانونية فى هذا الصدد، خاصة مع الظروف الاستثنائية التى يمر بها العالم حالياً والتى تعلم بها منظمة التجارة العالمية، التى تعد الجهة الدولية الأولى المنوط بها الإشراف على تحرير التجارة الخارجية بين الدول.
تأجيل الديون
أحد الحلول التى قد تلجأ لها الدول فى حال استمرار الأزمة هى المطالبة بتأجيل ديونها لفترة مؤقتة، لذا دعت منظمة الأونكتاد إلى حزمة سمتها «حزمة أزمات فيروس كورونا» بقيمة 2.5 تريليون دولار للبلدان النامية، لتجنب كارثة الديون التى تلوح فى الأفق فى البلدان النامية، حيث طالبت بتوقيف مؤقت لتوفير مساحة للتنفس للاقتصاد الكلى لجميع البلدان النامية المنكوبة بالأزمة، والتى تتطلب الصبر لتحرير الموارد المخصصة عادة لخدمة الديون السيادية الخارجية. وبالنظر إلى مصر، وفى ظل زيادة اعتماد الدولة على الدين الخارجى خلال السنوات الأخيرة، وبالتالى زيادة أعباء سداد القروض، فإن افتراض تجميد أو إرجاء سداد الديون، بالتنسيق مع الجهات الدائنة، قد يكون له أثر كبير فى تعزيز المعروض الدولارى فى السوق المصرية، ومساندة البنك المركزى المصرى فى إدارة الاحتياطى، خاصة بعدما أظهر براعة كبيرة إلى الآن فى إدارة هذه الأزمة.
الحفاظ على الأموال الساخنة
يعتبر حفاظ مصر على الاستثمارات الأجنبية فى أدوات الدين الحكومية ووقف التدفقات المالية الخارجة منها وسط الوباء العالمى أحد الحلول التى تمتلكها الحكومة لمواجهة الأزمة، وقد يتم ذلك من خلال الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية عند 9.25٪ للإيداع و10.25% للإقراض، بعد تخفيضها 3% دفعة واحدة فى مارس الماضى، وعلى الرغم من هذا التخفيض، فإن أسعار الفائدة فى مصر ما زالت ضمن أسعار الفائدة المرتفعة والجاذبة للمستثمرين الأجانب على مستوى جميع الأسواق الناشئة.
تسييل أصول الصندوق السيادى
تسييل أصول الصناديق السيادية، أحد أبرز الحلول التى تلجأ إليها الدول فى أوقات الأزمات، لدعم اقتصادها فى مواجهة الأضرار الناجمة عن الأزمات، فهل تلجأ مصر لتسييل أموال صندوقها السيادى فى حال استمرار الأزمة؟ خاصة أن الصندوق احتل المرتبة الـ43 بين صناديق الثروة العالمية التى يصنفها معهد صناديق الثروة السيادية، البالغ عددها 93 صندوقاً، حيث بلغت أصول الصندوق نحو 11.9 مليار دولار، وفقاً لمصادر مطلعة.. وقد يمثل هذا الصندوق أداة مساندة وبقوة للدولة المصرية فى الأزمة الحالية.