لم تكن علاقتهما مجرد زملاء عمل، حيث اعتبره الشهيد العقيد أركان حرب أحمد منسي قائد كتيبة 103 صاعقة، خليفته، ومن المقربين له وعاشا سويا مواقف وتفاصيل كثيرة حتى رحل إليه هو أيضا بعد 5 أشهر من وفاة الأسطورة، ليرقد بجواره في قبره لتتحقق وصية الشهيد الرائد وائل كمال وتلتقي الأرواح مجددا.
ربما فتح مسلسل الاختيار الذي يجسد حياة الشهيد منسي، ذكريات كثيرة عن الشهداء وجعلت البعض يفتش عن أصدقائه وزملائه وأحبائه الذين لم تظهر أدوارهم في المسلسل، ولكن كان لهم دور كبير في حياته وحياتهم، وتواصلت "الوطن" مع السيدة صباح يوسف والدة الشهيد وائل كمال الذي دُفن بجوار صديقه ورفيق دربه الشهيد منسي، لمعرفة بعض المواقف التي جمعتهما.
كيف نشأت علاقة وائل كمال بأحمد منسي؟
الشهيد وائل كمال خريج عام 2010 دفعة 104 حربية، عندما تخرج من سلاح الصاعقة، استلمه "منسي" كونه كان يدرب الضباط الجدد، ونشأت بينهما علاقة قوية جدا ومتميزة وفقا لوصف "صباح": "كأنه ابنه أو أخوه الصغير ومنسي كان بيقول عليه خليفتي والفرق بينهم تقريبا 12 سنة".
وتمر الأيام وبدأت العلاقة تتحول من زملاء عمل إلى أصدقاء مقربين وصلت لمعرفة الأسرتين بهما، فعندما تعرض وائل إلى حادث بسيارته بعد خروجه من العمل، أدى إلى انقلاب المركبة عدة مرات، محاولا تفادي سيدة كبيرة، طلب من المحيطين به حينها الاتصال بمنسي الذي جاء إليه على الفور: "جه وداه المركز الطبي وبعدين أخده على بيته بما أن والده الدكتور صابر، ومرضيش يقولنا أنه عمل حادثة وكأنه واحد من العيلة"، بحسب قول "صباح".
كان وائل في مقام شقيق منسي الأصغر، حيث تأثر بقيمه ومبادئه وأخلاقه وتصرفاته وطرق تعامله مع الآخرين وحبه لوظيفته: "اتعلم منه حاجات كتير زي أي حد يتعامل مع منسي وينبهر ويتأثر بيه، لكن ابني كان بزيادة عشان منسي حبه أوي".
ماذا فعل منسي وقت وفاة والد وائل كمال؟
وفي عام 2015، عندما كان وائل في قوات حفظ السلام بالكونغو، توفى والده ولم يستطع أن يعود إلى القاهرة لرؤيته ودفنه: "منسي هو اللي جه ووقف معانا وقعد يحكيلي عن وائل وأنه كان من أحسن الضباط ومهتم جدا بشغله اللي هو كان كل حياته كنا كأننا أسرة واحدة".
ومع عودة "وائل"، من الكونغو، استلم عمله في سيناء بمكان قريب من كتيبة منسي الذي طلب نقله إليه، ولكن كان قائد كتيبة الأول رفض طلبه: "على أساس أن وائل في مكانه ساند شغل كتير بس طبعا طلعوا ساعات مع بعض مداهمات".
استشهاد منسي
بعد استشهاد العقيد منسي يوم 7 يوليو عام 2017، في كمين "برث"، في اليوم التالي طلب وائل نقله إلى كتية 102 مكان الشهيد الرائد شبراوي، وتم الموافقة على طلبه والتحق بها في شهر يوليو حتى وفاته في شهر ديسمبر وتحديدا يوم 20.
حالة من الحزن انتابت وائل ولم تنتهي المشاعر المؤلمة، ودائما ما كان يخبر أصدقائه وفقا لـ "صباح"، بأنه يريد مقابلة "منسي"، بعد أن يكون قضى على عدد كبير من التكفيريين: "كان في حزن جامد جدا وعمل مداهمات كتير ومكنش عايز يروح له بإيده فاضية".
قبل استشهاد وائل بيوم
في يوم 19 ديسمبر عاد "وائل"، بعد حدوث استهداف على مطار العريش، من عملية تفتيش وتمشيط وسيطرة على المنطقة، لزيارة عسكري تعرض للإصابة بشظايا وللاطمئنان عليه بنفسه كونه حرص دائما على الجنود، حيث اصطحبه إلى المستشفى: "الدكتور اللي بيكشف عليه قال للجندي أنت منين قالوا أنا من أسيوط قالوا تعرف الشهيد محمد صلاح بتاع البرث قالوا أه طبعا قالوا قول لأهله أنه كان راجل وشهيد ومقاتل وشكر فيه جامد".
المشهد الأخير.. لحظة استشهاد وائل كمال
عاد "وائل"، من المستشفى، وكان من المفترض عدم مشاركته في آخر مداهمة له، بعد حدوث استهداف على مطار العريش، ولكنه أصر على الذهاب معهم: "4 عربيات طالعين وهما لسه ماشيين لقوا إرهابيين بموتسيكلاتهم، حس مش هيعرف يصطدهم من جوه العربية قال أنا هخرج، وقال للي معاه أنا بديكم أمر محدش ينزل عشان حس هيبقى خطر عليهم"، وفقا لوالدته.
واستكملت الأم القصة: "فالعسكري مسك ايده يا فندم يا فندم قالهم أنا بديكم أمر متنزلوش العساكر اللي حكولنا، المهم نزل اتعامل مع الإرهابين قتل 5، لكن القناص ضرب عليه جات عند الكتف اليمين بس استمر وائل، لحد طلقة تانية جات في العربية عملت شظايا ونزيف في الرئة".
وصية وائل كمال في دفنه بجوار منسي
"متقلقوش أنا رايح لحبيبي.. أنا رايح لحبيبي".. آخر كلمات رددها وائل لزملائه قبل موته الذي وصى أنه عند استشهاده يخبرون الدكتور رضا شقيق منسي، وليس أخيه هيثم ليعلن هو الأمر لأسرته: "لقيت هيثم خارج من أوضته ونازل لرضا وصاحبه تحت فبقوله جايين له، قالي أنا نازل أشوف وقلبه كان حاسس حتى بعدها كان بيقولي ياريت يكون استشهد مش اتصاب لأن أخوه مش هيستحمل عجزه".
بدأت الأم تراقب من النافذة المشهد من الشارع، حتى لاحظت وضع يديهما على هيثم حينها وجدت الأم نفسها تردد: "إنا لله وإنا إليه راجعون قلبي حس، مكونتش اعرف أنه بيخدم في سيناء كان مفهمني سنتين أنه في مرسى مطروح وكنت مطمنة ومحلف أخته وأخوه ميقولوش".
مشهد لم يذهب من ذاكرة "صباح"، تحكيه وكأنه ليلة أمس، وتستكمل القصة بأن صعد هيثم معهم إلى المنزل وجعلوها تجلس على كرسي ممسكين بإيديها معتقدين أنها ستقوم بالطم على وجهها: "بس زي ما يكون شريط بيعدي قدامي وافتكرت وقت وفاة منسي كان من ضمن الشهداء أحمد حسنين، فهو يا حبيبي كان بيحكيلي أن أهله مكنوش عرفوا فلما أمه جات داخله بتقول لعميد أنت فاكرني زعلانة وراحت مزغرطة، وقالي يا ماما أنا عايز ده لو جرالي أي حاجة تبقي قوية".
لم تكن تعلم "صباج" أن "وائل"، سبق ووصى رضا بدفنه بجوار منسي في نفس المدفن، ووجدت نفسها تقول لشقيق منسي:"بقولك إيه حطه في حضن حبيبه"، وطلبت منهم رؤية ابنها ووصفا حالته الأخيرة: "لاقيت وشه بدر حتى صاحبه اللي كان معاه في الكونغو بيقولوا اصحى يا وائل وشه كأنه نايم منور وجنازته كانت زي الزفة".
أخر إجازة قضاها وائل كمال مع والدته
لم يستكمل وائل إجازته الأخيرة وعاد إلى عمله، ولكنه خرج مع صباح وطرح عليها سؤالا عن رأيها في العمل بسيناء فردت عليه قائلة: "يعني يا وائل متطلبهاش بس لو جات لك انت راجل وادها، فكان بيبصلي وهو مستغرب"، هذا الحديث استطاعت الأم تفسيره بعد استشهاده مشيرة إلى: "وكأنه بيقول أنا مقولتلهاش ليه، قولتله الموت لو هيجيلنا لو احنا في بروج مشيدة هو هيجي، وبص لي قالي أنا مستغربك أوي".
وتعود "صباح"، للحديث عن مشهد الدكتور الذي كشف على الجندي الذي اصطحبه وائل إلى المستشفى يوم 19 ديسمبر، بأنه في اليوم التالي توفى ابنها ولم يكن يتوقع أو يتخيل الطبيب استشهاده: "حكالنا اللي حصل قبلها بيوم ومكنش مصدق".
صفات وائل كمال
استرجعت الأم مواصفات ابنها، فكان منذ صغره عندما كان يبلغ من العمر 4 أعوام يحب أن يتحمل المسؤولية وبعد وفاة والده نصب نفسه مكانه في كل شيء رغم أنه الأصغر: "كنت بحسه شايل همنا كلنا كان يقولي بصي يا أمي إحنا نجوز هيثم وبعدين أنا اتجوز واقعد معاكي كنت أقله أنت عايز الناس تقول أنك أنت ابن أمك قالي أمال أنا أبن مين".
وائل استشهد قبل ميلاده الـ 28 بثلاث أشهر، ولم يتزوج حيث إنه كان ينتظر انتهاء خدمته في سيناء، وفقا لما كان يقوله لأصدقائه ونقلته أمه: "أول ما اتخرج خطب ومحصلش نصيب وبعدين عرفت أنه كان مستني يخلص سينا كان بيقول أخد واحدة يجرالي حاجة وهي تتعذب فلما أخلص".
وتعود مرة أخرى للحديث عن صفاته وطباعه المتميزة: "كان إنسان فوق الوصف، وصاحب صاحبه ورجولة بحزم ووفاء لو حد من اصحابه عنده أي مشكلة من غير ما يقوله كان يبقى معاه وكان بيخاف على العساكر جدا بيقول العساكر دول غلابة جدا".
مسلسل الاختيار
وعن مسلسل الاختيار الذي يعرض حاليا، شرحت أن أبناءها يمنعونها من متابعته كونه يحكي أمورا كان يرددها وائل: "هما عايزين أبو شنب واحد صاحبه حكالي أن التكفريين كانوا رصدين مبلغ كبير لقتل وائل عشان هو مربي شنبه وكانوا بيقولوا عايزين أبو شنب فقام مخلي كذا عسكري يربي شنبه عشان ميبقاش رصدينه وأنا فعلا سمعته مرة بيكلم حد بيقول هما عايزين أبو شنب".
قصة المسجد الذي يحمل اسم وائل كمال
وأنهت الأم حديثها قائلة: "كان نفسه يكتب اسم أبوه على الجامع اللي توفى فيه يوم جمعة، ولما استشهد هو اتكتب على نفس الجامع اسمه اللي بيحمل اسم أبوه".
تعليقات الفيسبوك