أم المؤمنين جويرية.. سيدة "بني المصطلق" الذاكرة العابدة
تزوجها النبي.. وتوفيت في المدينة المنورة سنة 50 هجريا
صورة أرشيفية
للنساء تاريخ عريق في الإسلام، ولدى بعضهنّ مواقف مؤثرة، ومنهنّ السيدة أم المؤمنين جويرية بنت الحارث "رضي الله عنها".
السيدة جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة الخزاعية المصطلقية "رضي الله عنها"، كانت تحت ابن عم لها، يقال له مسافع بن صفوان المصطلقي، وقد قتل في يوم المريسيع، ثم غزا النبي "صل الله عليه وآله وسلم" قومها بني المصطلق، فكانت من جملة السبي، ووقعت في سهم ثابت بن قيس "رضي الله عنه"، وفق ما ذكرته دار الافتاء المصرية.
ففي الحديث النبوي، أن السيدة عائشة أم المؤمنين "رضي الله عنها" قالت: لما قسم رسول الله "صل الله عليه وآله وسلم" سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس -أو لابن عم له- وكاتبته على نفسها، فأتت رسول الله "صل الله عليه وآله وسلم" تستعينه في كتابتها، فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس -أو لابن عم له- فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابتي. فقال النبي : "فهل لك في خير من ذلك"؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: "أقضي كتابتك وأتزوجك". قالت: نعم يا رسول الله. قال: "قد فعلت".
وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله "صل الله عليه وآله وسلم" تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله فأرسلوا ما بأيديهم -أي أعتقوا- من السبي، قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها. رواه الإمام أحمد في "مسنده" (43/ 384، ط. الرسالة).
وروى ابن سعد في "الطبقات" (8/ 118، ط. دار صادر)، أنه لما وقعت جويرية بنت الحارث في السبى، جاء أبوها إلى النبي فقال: إن ابنتي لا يسبى مثلها؛ فأنا أكرم من ذاك، فخل سبيلها، فقال: "أرأيت إن خيرناها أليس قد أحسنا"، قال: بلى، وأديت ما عليك، فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا، فقالت: فإني قد اخترت رسول الله. فتزوجها النبي في السنة الخامسة للهجرة، وكان عمرها إذ ذاك عشرين سنة.
وكان من ثمار هذا الزواج المبارك فكاك المسلمين لأسراهم من قومها، وغير رسول الله اسمها؛ فعن ابن عباس قال: كان اسم جويرية بنت الحارث برة، فحول النبي اسمها، فسماها جويرية. رواه الإمام أحمد في "مسنده" (5/ 77).
وكانت رضي الله عنها ذات صبر وعبادة، كثيرة الذكر لله عز وجل، يظهر ذلك من خلال الحديث الذي رواه ابن عباس "رضي الله عنه": أن النبي "صل الله عليه وآله وسلم" مر عليها وهي في مسجدها، ثم مر النبي بها قريبا من نصف النهار، فقال لها: "ما زلت على حالك" فقالت: نعم، قال: "ألا أعلمك كلمات تقولينها: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته" رواه الترمذي (5/ 556).
ولم تذكر كتب الحديث إلا القليل من مروياتها، ومن جملة ذلك ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" (44/ 337) عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صل الله عليه وآله وسلم يوم جمعة وأنا صائمة فقال لي: "أصمت أمس"، قلت: لا، قال: "تريدين أن تصومي غدا"، قلت: لا، قال: "فأفطري".
وتوفيت أم المؤمنين السيدة جويرية "رضي الله عنها" في المدينة المنورة سنة 50 هجرية، وقيل توفيت سنة 57 للهجرة، وعمرها 65 سنة، رضي الله عنها، وعن أمهات المؤمنين أجمعين.