«الوطن» فى منطقة «الجوع الكافر»: الأهالى يتعاطفون مع «الأم القاتلة».. والنيابة تخلى سبيلها
أخلت نيابة الإسكندرية، أمس، سبيل «ص. م. أ»، المتهمة بقتل طفلها «رجب»، لاعتراضه على نصيبه من أرغفة الخبز التى وزعتها عليه وإخوته، وقالت مصادر قضائية إن القرار جاء تعاطفاً مع حالة الأم التى كانت ترغب فى حضور جنازة طفلها، إضافة إلى ترجيح تقرير الطب الشرعى عدم تعمدها طعن نجلها، وانتظاراً لوصول تحريات المباحث حول الواقعة. وأقرت الأم، فى تحقيقات النيابة التى استمرت على مدى 4 ساعات، بمسئوليتها عن وفاة ابنها، وقالت إنها كانت فى المنزل مع نجلها «رجب» وإخوته، وعقب قيامها بإعداد وجبة «عيش باللحم»، وزعت الخبز على كل طفل، لكن «رجب» طلب كمية أخرى، وهو الطلب الذى لم تتمكن من تلبيته، مضيفة أنها طلبت من نجلها السكوت، لكنه لم يستجب لها، وأشارت إليه بالسكين، الذى استخدمته فى تقطيع الخبز ليصمت، لكنه لم يستجب، فأصابته السكين بالخطأ. وأوضح تقرير الطب الشرعى، أن السكين أصابت الطفل بجرح طال شرياناً بمنطقة الصدر، ما تسبب فى نزيف حاد أدى إلى هبوط حاد وتوقف فى عضلة القلب والوفاة فى الحال. وقال مصدر قضائى، إن تقرير الطب الشرعى لم يشر لوجود جرح غائر فى الصدر، مما يرجح رواية الأم بأن الإصابة كانت غير متعمدة للطفل، فهى ليست إلا جرحاً لكنه تسبب فى الوفاة نظراً لكونه أصاب أحد الشرايين. وأوضح أن قرار النيابة بإخلاء سبيل الأم ليس دليل براءة لها، لكنه جاء بموجب ما أوضحه تقرير الطب الشرعى، وحتى تحصل النيابة على تحريات المباحث حول الواقعة. وزارت «الوطن» منطقة «الإسناوى»، حيث يقع منزل أسرة «الجوع الكافر»، فيما خيّم الحزن على أهالى المنطقة، الذين أبدوا تعاطفهم مع الأم، مؤكدين أنها ليست المرة الأولى التى يلعب الفقر فيها هذه اللعبة معهم.[SecondImage]
«الجوع كافر واحنا عمرنا ما شبعنا»، بهذه الكلمات استقبلنا أهالى منطقة الإسناوى، قبل أن يتابعوا قائلين: «حوادث القتل بسبب قلة الرزق وضيق ذات اليد، تكررت كثيراً فى مناطق بحى الورديان، ومنها الإسناوى والمأوى ونجع العرب والمتراس والمفروزة والإسكان الصناعى وغيرها». وقال شمس الدين محمد، أحد جيران الطفل، لـ«الوطن»: «عيلة أم رجب محدش بيسمعلهم أى صوت، عيلة غلابة فى حالهم على طول، وربنا رزقهم بزوج أم بعد وفاة والدهم اهتم بيهم أكتر من والدهم المتوفى، بس الفقر يعمل أكتر من كده». وأضاف «شمس»: «حتى لما الولد مات محدش سمع صوتهم كالعادة، واتفاجئنا بأمه نازلة فى نص الشارع بتجرى على المستشفى، رحنا معاها ولما عرفنا القصة كنا فى حالة ذهول ومحدش صدق الحكاية».
«للفقر فى مناطق حى الورديان، أنياب، يقتل بها كل يوم».. هذا ما أكده الأهالى، يقول محمد السيد، أحد سكان بلوكات الإسكان الصناعى القريبة من منطقة الإسناوى: «الموت يحاصرنا فى الغرف التى نعيش فيها تحت الأرض، التى تشبه المقابر»، مضيفاً: «كان فيه سيدة مسنة ومعاقة ومشلولة عايشة لوحدها فى غرفة من غرف المأوى، وعشان مفيش حد معاها أو بيخدمها كانت الغرفة مفتوحة على الصرف الصحى والزبالة، اللى دايماً مليانة بفيران حجمها نفس حجم القطط، وفى مرة مكنش فى حد قريب منها والفيران أكلت لحمها وهى عايشة وبسبب عجزها مقدرتش تهرب». وتابع: «استمرت الفئران فى أكل جسدها بعد موتها ولمدة عدة أيام دون أن يشعر أحد من القاطنين بجوارها، إلى أن فوجئ السكان بروائح كريهة، وبعد دخول الغرفة اكتشفنا موتها منذ فترة وأبلغنا الشرطة».
وأضاف السيد: «أنا خايف على نفسى وولادى من الوصول للحالة دى، وهل للدرجة دى بقت الحيوانات هى اللى بتاكلنا عشان عايشين فى المكان اللى كله صرف تحت الأرض، واللى خلانا مرضى مش قادرين نعمل أى حاجة قدام فار؟».