المحرومون من الدراسة والخروج واللعب والتمارين: إيه الزهق ده؟
ألأطفال في الإجازة
يتسلل إليهم شعور بالضجر أحياناً، والضيق أحياناً أخرى، فهم غير قادرين على ممارسة فطرتهم التى فطرهم الله عليها، وهى الحركة والجرى واللعب بحرية وانطلاق. هم الأطفال الذين حرمهم فيروس «كورونا» من الخروج من المنزل نهائياً، سواء للدراسة، أو التمرينات الرياضية أو زيارة الأقارب والأصدقاء إلا فى أضيق الحدود. «الوطن» حاولت منح الأطفال ريشة لرسم تفاصيل حياتهم اليومية، بلغتهم البسيطة التى تمتلئ بالكثير من البراءة والأمل، بعيداً عن عالم الكبار وتعقيداتهم، خلال ما أطلق عليه البعض «الحظر الذاتى».
تالا طارق، 9 سنوات، فى الصف الرابع الابتدائى، تعيش فى منطقة المعادى، تتحدث بعفوية عن شعورها بالضيق الشديد عقب تعليق الدراسة فى المدارس، واضطرارها إلى تلقى الدروس إلكترونياً عبر «التاب»: «كنت دايماً أقول لمامى إنى نفسى أقعد فى البيت، لكن دلوقتى وحشنى إنى أنزل المدرسة وأشوف أصحابى والمدرسين، وزهقت من إنى بشوفهم بس على التليفون، كل حاجة نتواصل بيها هى التليفون، حتى تيتة وجدو بشوفهم عن طريق التليفون».
"تالا": وحشتنى المدرسة
عرفت «تالا» أن فيروس «كورونا» هو السبب فى تغير شكل حياتها، عن طريق شرح والدتها، التى عملت على تنظيم وقت ابنتها بالكثير من الأنشطة: «قبل ما يكون فيه فيروس، كنت بروح أتمرن، وأتعلم موسيقى، ولما بقول لماما نفسى أخرج بتخلينى أتمرن فى البيت، ومعظم الوقت بقضيه فى الرسم، ونفسى الناس كلها تسمع التعليمات علشان نحارب كورونا، ونقضى عليها وأقدر أخرج».
أما شمس عاطف، 6 سنوات، فكان سؤال واحد يدور على لسانها هو متى سينتهى فيروس كورونا؟ حتى تستطيع الخروج مرة أخرى للتنزه، وممارسة الأنشطة التى كانت والدتها تنظمها للأطفال، بحكم وظيفتها كمدربة تطوير نفسى للأطفال: «أنا صحيح مبسوطة إنى مش بروح المدرسة، بس زهقت إنى مش بعرف أخرج، كل شوية أقول لماما نفسى أروح ألعب مع بنات عمتو عند تيتا، لكن ماما بترفض وبتقول لى لما يخلص الكورونا، ولغاية دلوقتى مش عايز يخلص».
تقضى «شمس» أوقاتها فى الكثير من الأنشطة، التى أحياناً يشاركها فيها أخوها الأصغر أنس: «أنا بحب ألعب على الموبايل، وأتفرج على الكارتون على التليفزيون مع أنس، وأحط اللعب بتاعتى فى البانيو، ونتخيلها وهى بتلعب معانا، وأجمل حاجة لما ماما بتخلينا نعمل معاها عروض بالعرايس، ونلونها».
"آدم": برقص زومبا
وعلى الرغم من كثرة الأنشطة التى يمارسها آدم عمرو، 9 سنوات، فإن ذلك لم يمنع حالة الإحباط التى سيطرت عليه، بسبب شعوره بالحبس: «الأيام بقت شبه بعض، بصحى الصبح آخد دروسى أونلاين من الساعة 8 لغاية الساعة واحدة ونص، وبعدين ماما بتروح تطبع الشيت بتاع المواد، ونقعد نذاكر سوا، وبعدين نقضى اليوم فى اللعب، ماما بتقول لى المفروض إنك ماتزهقش علشان انت قاعد فى البيت وبتعمل كل حاجة براحتك، بس أنا حاسس إنى محبوس، خصوصاً إنى مابقتش أقدر أروح التمارين الرياضية بتاعتى فى الكورة والجودو والسباحة، والحاجات دى كنت بحبها أوى».
تتسم نبرات صوت «آدم» بالنضج عندما يتحدث عن الفيروس وخطورته وأنه السبب فى مكوثه فى المنزل: «بابا وماما قعدوا وفهّمونى قصة الفيروس، وإنه ضرورى نقعد فى البيت علشان نحمى نفسنا، وأنا بقضى الوقت مع أختى نيللى نقعد نلون سوا، وساعات نقرا القصص مع إنى مش بحبها أوى، لكن أجمل حاجة هى ساعة لما ماما تشغل لينا الأغانى ونقعد نرقص الزومبا بدل التمرينات الرياضية»
"يحيى": بحب التجارب العلمية وبانزّل فيديوهات على "فيس بوك"
أما يحيى محمد، 8 سنوات، يعيش فى منطقة التجمع، فعبّر بنبرة تمتلئ بالثقة والتحدى أن الشعور بالضيق يتسرب إليه أحياناً، لكنه سرعان ما يطرده من خلال الأنشطة والتجارب العلمية التى تنظمها له والدته فى المنزل مع أبناء خاله، والتى يعتبرها مشوقة وجذابة: «ماما بتسمح لى فى البيت إنى أجرّب كل حاجة براحتى، يعنى مثلاً النهارده عملت مع ولاد خالى نموذج لجيتار من الكارتون المقوى، ولوّناه وكان شكله حلو أوى، وهى اقترحت عليّا أعرض عليها الحاجات اللى نفسى أجربها أو أعملها، وهى تعلمنى طرق عمايلها، يعنى مثلاً ساعات بتخلينى أطبخ معاها، وساعات تانية بنعمل تجارب علمية من مكونات كيميائية، زى اللى بنعملها فى المعمل، وفى مرة تانية قلت لها إني عايز أسجل فيديوهات وأنزّلها على الفيس بوك عن الكورونا، وساعدتنى وكان الموضوع جميل أوى، فأنا بلاقى حاجات ألعب بيها، طبعاً جنب الجيمز على التاب».
"سارة": أسسنا جروب "لعب عيال" لمساعدة الأمهات على تجاوز تلك الفترة
والدة «يحيى» سارة حجازى، أكدت أنها بالفعل حاولت استغلال الفترة التى اضطر فيها الأطفال إلى المكوث فى المنزل بفعل الفيروس، وأسست جروب بعنوان «لعب عيال» ويهدف إلى دفع الأمهات لعرض تجاربهن فى صنع أنشطة منزلية للأطفال، جذابة وبطرق وتكاليف بسيطة: «رغم أننا أسسنا الجروب خلال أقل من 3 أيام، إلا أن عدد المشتركات فيه وصل لأكتر من 5 آلاف أم، وهو جروب ممكن نسميه مجتمع تشاركى، يعنى مفيش فيه سلطة لحد، فقط كل أم بتعرض نشاط قامت بيه مع ولادها ونجح إنه يبسطهم، ويقضى على حالة الملل اللى جواهم تجاه العزلة الذاتية اللى هما عايشين فيها».
رغم أن هناك مئات الأنشطة عبر قنوات اليوتيوب فإن سارة أصرت على تأسيس الجروب، مؤكدة أن لكل دولة خصوصيتها، وأن الأطفال المصريين لهم طبيعة خاصة بهم، لا تنجح معها كل الأنشطة: «أولاً معظم الأمهات ممكن تصاب بالإحباط بسبب التجارب اللى بتكون معروضة على اليوتيوب، إما لأنها غالية أو لأنها مش بتعرض الأخطاء جوا كل نشاط، واحنا من خلال جروب لعب عيال عايزين نمصّر تجربتنا، يعنى نعتمد على أدوات موجودة فى كل بيت مصرى، وأنشطة بيفهمها الأطفال، ومناسبة لبيئتهم، مش دخيلة على ثقافتنا، وكل أم بتعمل تجربة بتنجح مع ولادها بتنزّل صور عن النشاط ده، وازاى عملته، وبتشجع الأمهات التانية إنهم ينفذوه بطريقة فيها إنسانية وبساطة، تتناسب مع القلق اللى عايشين فيه».