عبد الرحيم ريحان: شم النسيم عيد لكل طوائف الشعب.. ورمز لتجدد الحياة بمصر القديمة
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان أن قدماء المصريين كانوا يحتفلون بعيد شم النسيم فى الليلة الأولى أو ليلة الرؤيا بالاحتفالات الدينية ثم يتحول مع شروق الشمس إلى عيد شعبي تشترك فيه كل طوائف الشعب.
وأشار إلى أن الفرعون وكبار رجال الدولة كانوا يشاركون الشعب فى أفراحه باعتبار أن شم النسيم هو العيد الذى تبعث فيه الحياة ويتجدد النبات وتنشط الكائنات وتحمل نسمة الربيع رسالة ميلاد الطبيعة.
وقال ريحان - في تصريح له اليوم الأحد - "إن المصريين القدماء حددوا عيد الربيع بميعاد الانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذى يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس فى برج الحمل يوم 25 من شهر برمهات، وكانوا يتصورون أن هذا اليوم هو بدء الخلق، وذلك طبقا لما جاء فى كتاب لغز الحضارة المصرية للدكتور سيد كريم".
وأضاف أنهم كانوا يحتفلون بالإعلان عن ذلك اليوم بليلة الرؤيا حيث يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم الأكبر فى الساعة السادسة من ذلك اليوم حين يظهر قرص الشمس قبل الغروب وخلال دقائق محدودة وكأنه يجلس فوق قمة الهرم، وكان يشطر ضوء الشمس وظلالها واجهة الهرم إلى شطرين، وهى الرؤيا الخاصة بعيد "شمو" أى بعث الحياة، والذى احتفل به المصري القديم منذ عام 2700 ق.م فى أواخر الأسرة الثالثة، لافتا إلى أن بعض المؤرخين كانوا يرون أن الاحتفال به كان معروفا ضمن أعياد هيليوبوليس ومدينة أون، وكانوا يحتفلون به فى عصر ما قبل الأسرات.
وأوضح أن بنى إسرائيل نقلوا هذا الاحتفال عن قدماء المصريين حين خرجوا من مصر مع نبي الله موسى عليه السلام واختاروا هذا اليوم بالذات للخروج حتى لا يلفت انتباه المصريين مع انشغالهم بهذا اليوم العظيم في حياتهم، واحتفل اليهود بهذا اليوم وأطلقوا عليه عيد الفصح، وهى كلمة عبرية معناها الخروج أو العبور، واعتبروا هذا اليوم يوم بدء الخلق عند المصريين رأسا للسنة العبرية الدينية تيمنا بنجاتهم في ذلك اليوم وكرمز لبدء حياتهم الجديدة.
وبين الدكتور ريحان أن عيد الفصح انتقل بعد ذلك إلى المسيحية لموافقته بالصدفة مع عيد القيامة، ولما دخلت المسيحية مصر أصبح عيد القيامة يلازم عيد شمو ويقع دائما يوم الاثنين، وهو اليوم التالي لعيد الفصح أو عيد القيامة.
ولفت إلى أن عيد شم النسيم ارتبط بأكلات معينة ارتبطت بفكر حضاري راقي للمصريين القدماء يتوافق مع طبيعة هذا العيد، ومنها البيض الملون، والذى أطلق عليه الأوروبيون بيض الشرق، وهو يرمز لخلق الحياة كما ورد في متون كتاب الموتى وأناشيد أخناتون "الله وحده لا شريك له خلق الحياة من الجماد فأخرج الكتكوت من البيضة"، أما بالنسبة للفسيخ والسمك المملح، والذى بدأ استخدامه من الأسرة الخامسة مع تقديس النيل نهر الحياة الذى ورد في متونه المقدسة "أن الحياة فى الأرض بدأت فى الماء ويعبر عنها السمك الذى تحمله مياه النيل من الجنة"، وكان السمك المملح يوصف للوقاية والعلاج من بعض أنواع حمى الربيع.
ونوه الدكتور ريحان بأن تناول البصل ارتبط بأسطورة شهيرة من أساطير منف القديمة، حيث كان لأحد ملوك مصر طفل وحيد أصيب بمرض خطير وقد عالجه الكاهن الأكبر لمعبد آمون بطيبة بثمرة بصل وضعت تحت رأس الأمير فى فراشه عند غروب الشمس وقام بشقها إلى نصفين عند الشروق ووضعها فوق أنفه ليستنشقها فشفى الأمير، وطلب منه وضع حزم من أعواد البصل الأخضر الطازج على أبواب الغرفة وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة، فيما مازالت هذه العادات متبعة حتى اليوم خاصة فى صعيد مصر.
وذكر أن الملانة، وهى ثمرة الحمص الأخضر، أطلق عليها المصري القديم (حور- بيك) أى رأس الصقر لشكل الثمرة التى تشبه رأس حور الصقر المقدس، وقد وصفت البرديات الطبية ما يحتوى عليه الحمص من عناصر تستخدم فى علاج المثانة والكبد والكلى وما يحويه عصائر حباته الخضراء، إلى جانب قدرتها على وقاية الأطفال من أمراض الربيع، وكانوا يعتبرون نضج الثمرة وامتلاءها إعلانا عن ميلاد الربيع، وهو ما أخذ منه اسم "الملانة".