زمن «الكورونا» وتبعاته هذا ما نحن عليه اليوم، أصبح ذلك الفيروس الصغير متحكماً فى مصير دول، بلدان بأكملها تعانى الحجر الصحى، اقتصاد يعانى خصوصاً أنه حتى هذه اللحظة لم يتم اكتشاف مصل أو على الأقل دواء نحاصر به أعراض المرض، لذلك ستكون هناك خريطة جديدة للعالم فيما بعد زمن «الكورونا» والخريطة المقصود بها تحولات اقتصادية عنيفة لبعض الدول، وأيضاً تساؤلات يجب علينا أن نتوقف لنطرحها على أنفسنا عن أنماط حياة بتنا مستسلمين لها تماماً.
وإذا كانت هناك بعض الأفلام السينمائية التى تناولت بالتفصيل ظهور مثل هذا «الفيروس» وكيف قضى على ملايين البشر ومنها فيلم عدوى أو «CONTAGION» لستيفن سودربيرج، وطرح فى دور العرض 2011 وتدور أحداثه فى إطار خيالى حول فيروس غامض انطلق من الصين يضرب كوكب الأرض، وهو ما قد يصيب المشاهد بالارتباك فى ظل التفاصيل الكثيرة التى يرصدها الفيلم وتحاكى ما نعيشه الآن، السينما التى استشرفت أو تنبأت هى الأخرى صارت ضحية للفيروس، مئات الأفلام توقف تصويرها، وتأجل عرضها، عدد كبير من المهرجانات تم تأجيل دورته لهذا العام سواء فى العالم العربى أو دولياً، ومنها مهرجان سالونيك للأفلام الوثائقية، الذى كان من المقرر أن تنطلق فعالياته فى الخامس من الشهر الجارى، بخلاف إعلان «مؤسسة الدوحة للأفلام» إلغاء الدورة السادسة من ملتقى «قمرة» السينمائى لهذا العام، ومهرجان البحر الأحمر، وتطوان المغربى، بخلاف إعلان مهرجان السينما الأمريكية اللاتينية بإيطاليا تأجيل فعالياته. حتى مهرجان كان السينمائى الدولى أصبح مهدداً بالإلغاء فى أية لحظة فى حالة وصول المرض إلى ذروته بفرنسا، حيث صرحت إدارته أنها ستقرر هذا الأمر خلال الأسبوعين المقبلين بشكل نهائى طبقاً لتطورات الأمر على أرض الواقع.
تأجيل مهرجان بهذا الحجم يعنى الكثير من الأمور الاقتصادية فيما يتعلق بصناعة السينما بما يتضمن ترحيل عروض أفلام وفرص إنتاج مشاريع، وأفلام راهن صناعها على عرضها الأول فى هذا المهرجان العريق وما يحققه ذلك من سمعة دولية تجعلها مرشحة للعرض فى مهرجانات أخرى أو على الأقل تحظى بفرص أفضل تسويقياً.
وأمس الأول أعلنت إدارة منصة «نتفليكس» عن توقف تصوير كل إنتاجاتها الجديدة من مسلسلات وأفلام كانت تصورها بالفعل وتحدد لها مواعيد عرض تليفزيونى، ليس ذلك فقط بل إن إدارة المنصة أعطت موظفيها فى فرع كاليفورنيا إجازة مفتوحة على أن يعملوا من المنزل، والحال ينطبق على منصات أخرى كانت تنافس بقوة فى 2020، كل تلك القرارات ومثيلاتها تعنى خسائر بالمليارات لصناعة الترفيه على مستوى العالم.
ومثلاً تسبب تأجيل طرح فيلم جيمس بوند «No Time to Die» حول العالم إلى نوفمبر المقبل، حيث كان من المفترض طرحه عالمياً فى أبريل المقبل، وذلك بعد أيام قليلة من تأجيل جولته فى الصين لأجل غير مسمى بسبب «الكورونا»، فى خسائر تصل إلى 50 مليون دولار، تلك خسائر فيلم واحد فما بالك بأفلام أخرى كثيرة كانت مدرجة للعرض فى توقيتات محددة على مدار العام؟!
وقامت «ديزنى» أيضاً بتأجيل إطلاق فيلم Mulan، وألغت ديزنى كوريا جميع العروض السينمائية، وأعلنت فى بيان أنه «سيتم الإعلان عن موعد لاحق بعد تقييم الوضع القائم».
وطبقاً لموقع مجلة «هوليوود ريبورتر» السينمائية المتخصصة فمن المقدر أن تواجه السينما خسائر بقيمة 5 مليارات دولار، فى الأشهر المقبلة، كما أن الفيروس يؤثر بشكل كبير على إنتاج الأفلام فى كوريا الجنوبية وإيطاليا وحتى اليابان، ثالث أكبر سوق للأفلام عالمياً، ومن المتوقع طبقاً لمحللين آخرين أن يزيد حجم الخسائر فى حالة توقف شاشات العرض الأمريكية أيضاً، تلك الحالة من الارتباك ستنعكس بشكل أو بآخر على كل الاحتفالات والتظاهرات وخريطة الجوائز والترشيحات المقبلة.
والأمر ليس ببعيد عن حال السينما المصرية التى يبدو أنها ستعانى كثيراً فى الفترة المقبلة فى ظل الإجراءات الاحترازية التى يتم اتخاذها طبقاً لمعدلات اكتشاف الإصابات، وأيضاً فى ظل ما يحدث لأسواقها الخارجية فى دول الخليج وعدد من البلدان العربية، ولا أحد يملك تصوراً لما قد تكون عليه شكل الخريطة السينمائية فى الفترة المقبلة فلا صوت يعلو فوق صوت «الكورونا» حالياً.